آخر عن عثمان بن أبي العاص الثقفي في ذلك قال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا هريم عن ليث عن شهر بن حوشب عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إذ شخص بصره فقال " أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة " إن الله يأمر بالعدل والاحسان " الآية. وهذا إسناد لا بأس به ولعله عند شهر بن حوشب من الوجهين والله أعلم.
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) هذا مما يأمر الله تعالى به وهو الوفاء بالعهود والمواثيق والمحافظة على الايمان المؤكدة ولهذا قال " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " ولا تعارض بين هذا وبين قوله " ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم " الآية. وبين قوله تعالى " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم " أي لا تتركوها بلا كفارة وبين قوله عليه السلام فيما ثبت عنه في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها - وفي رواية - وكفرت عن يميني " لا تعارض بين هذا كله ولا بين الآية المذكورة ههنا وهي قوله " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " لأن هذه الايمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق لا الايمان التي هي واردة على حث أو منع ولهذا قال مجاهد في قوله " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " يعني الحلف أي حلف الجاهلية ويؤيده ما رواه الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن محمد - هو ابن أبي شيبة - حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حلف في الاسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فإنه لا يزيده الاسلام إلا شدة ". وكذا رواه مسلم عن ابن أبي شيبة به. ومعناه أن الاسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه فإن في التمسك بالاسلام كفاية عما كانوا فيه. وأما ما ورد في الصحيحين عن عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه أنه قال: حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دورنا. فمعناه أنه آخى بينهم فكانوا يتوارثون به حتى نسخ الله ذلك والله أعلم. وقال ابن جرير حدثني محمد بن عمارة الأسدي حدثنا عبد الله بن موسى أخبرنا أبو ليلى عن بريدة في قوله " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " قال نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم كان من أسلم بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الاسلام فقال " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " هذه البيعة التي بايعتم على الاسلام " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " لا يحملنكم قلة محمد وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الاسلام. وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا صخر بن جويرية عن نافع قال لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد ثم قال: أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان وإن من أعظم الغدر - إلا أن يكون الاشراك بالله - أن يبايع رجل رجلا على بيعة الله ورسوله ثم ينكث بيعته فلا يخلعن أحد منكم يدا ولا يسرفن أحد منكم في هذا الامر فيكون فصل بيني وبينه " المرفوع منه في الصحيحين، وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا حجاج عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من شرط لأخيه شرطا لا يريد أن يفي له به فهو كالمدلي جاره إلى غير منفعة " قوله " إن الله يعلم ما تفعلون " تهديد ووعيد لمن نقض الايمان بعد توكيدها.
وقوله " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " قال عبد الله بن كثير السدي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئا نقضته بعد انبرامه وقال مجاهد وقتادة وابن زيد هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده وهذا القول أرجح وأظهر وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا. وقوله " أنكاثا " يحتمل أن يكون اسم