هذه قصة المائدة وإليها تنسب السورة فيقال سورة المائدة وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها فأنزلها الله آية باهرة وحجة قاطعة وقد ذكر بعض الأئمة أن قصتها ليست مذكورة في الإنجيل ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين فالله أعلم فقوله تعالى " إذ قال الحواريون " وهم أتباع عيسى عليه السلام " يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك " هذه قراءة كثيرين وقرأ آخرون " هل تستطيع ربك " أي هل تستطيع أن تسأل ربك " أن ينزل علينا مائدة من السماء " والمائدة هي الخوان عليه الطعام وذكر بعضهم أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوه أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة " قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " أي فأجابهم المسيح عليه السلام قائلا لهم اتقوا الله ولا تسألوا هذا فعساه أن يكون فتنة لكم وتوكلوا على الله في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين " قالوا نريد أن نأكل منها " أي نحن محتاجون إلى الاكل منها (وتطمئن قلوبنا) إذا شاهدنا نزولها رزقا لنا من السماء (ونعلم أن قد صدقتنا) أي ونزداد إيمانا بك وعلما برسالتك (ونكون عليها من الشاهدين) أي ونشهد أنها آية من عند الله ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) قال السدي أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا وقال سفيان الثوري: يعني يوما نصلي فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم وعن سلمان الفارسي عظة لنا ولمن يعدنا وقيل كافية لأولنا وآخرنا (وآية منك) أي دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء وعلى إجابتك لدعوتي فيصدقوني فيما أبلغه عنك (وارزقنا) أي من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب (وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم) أي فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها (فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) أي من عالمي زمانكم كقوله تعالى (ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وكقوله (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) وقد روى ابن جرير من طريق عوف الاعرابي عن أبي المغيرة القواس عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون.
" ذكر أخبار رويت عن السلف في نزول المائدة على الحواريين " قال أبو جعفر بن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني حجاج عن ليث عن عقيل عن ابن عباس أنه كان يحدث عن عيسى أنه قال لبني إسرائيل هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لاحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) قال فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعه أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم كذا رواه ابن جرير. ورواه ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه. وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبو زرعة وهبة الله بن راشد حدثنا عقيل بن خالد أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم قالوا له ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء قال فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جلاس عن