عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة إلى سائر الناس كما ثبت في الصحيحين عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " وله شواهد من وجوه كثيرة وقال تعالى " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ".
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (5) يقول تعالى وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب لتخرج الناس كلهم تدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور كذلك أرسلنا موسى إلى بني إسرائيل بآياتنا. قال مجاهد وهي التسع الآيات " أن أخرج قومك " أي أمرناه قائلين له " أخرج قومك من الظلمات إلى النور " أي ادعهم إلى الخير ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلال إلى نور الهدى وبصيرة الايمان " وذكرهم بأيام الله " أي بأياديه ونعمه عليهم في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه وإنجائه إياهم من عدوهم وفلقه لهم البحر وتظليله إياهم بالغمام وإنزاله عليهم المن والسلوى إلى غير ذلك من النعم. قال ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد وقد ورد فيه الحديث المرفوع الذي رواه عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في مسند أبيه حيث قال: حدثني يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم حدثنا محمد بن أبان الجعفي عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى " وذكرهم بأيام الله " قال " بنعم الله " ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث محمد بن أبان به ورواه عبد الله ابنه أيضا موقوفا وهو شبه، وقوله " إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " أي أن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين لعبرة لكل صبار أي في الضراء شكور أي في السراء كما قال قتادة: نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر وكذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن أمر المؤمن كله عجب لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ".
وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (6) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (7) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد (8) يقول تعالى مخبرا عن موسى حين ذكر قومه بأيام الله عندهم ونعمه عليهم إذ أنجاهم من آل فرعون وما كانوا يسومونهم به من العذاب والاذلال حيث كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم ويتركون إناثهم فأنقذهم الله من ذلك وهذه نعمة عظيمة ولهذا قال " وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " أي نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك أنتم عاجزون عن القيام بشكرها. وقيل: وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الأفاعيل " بلاء " أي اختبار عظيم ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا والله أعلم كقوله تعالى " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " وقوله " وإذ تأذن ربكم " أي آذنكم وأعلمكم بوعده لكم ويحتمل أن يكون المعنى: وإذ أقسم بكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه كقوله تعالى " وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة " وقوله " لئن شكرتم لأزيدنكم " أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها " ولئن كفرتم " أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها