" تسلمون " بفتح اللام يعني من الجراح. رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عباد وأخرجه ابن جرير من الوجهين ورد هذه القراءة وقال عطاء الخراساني إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب ألا ترى إلى قوله تعالى " والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا " وما جعل من السهل أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب جبال؟ ألا ترى إلى قوله " ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين " وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر؟ ألا ترى قوله " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ولكنهم كانوا لا يعرفونه؟ ألا ترى إلى قوله تعالى " سرابيل تقيكم الحر " وما تقي من البرد أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر وقوله " فإن تولوا " أي بعد هذا البيان وهذا الامتنان فلا عليك منهم " فإنما عليك البلاغ المبين " وقد أديته إليهم " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره " وأكثرهم الكافرون " كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مجاهد أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله جعل لكم من بيوتكم سكنا " فقال الاعرابي نعم قال " وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا " الآية. قال الاعرابي نعم ثم قرأ عليه كل ذلك يقول الاعرابي نعم حتى بلغ " كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون " فولى الاعرابي فأنزل الله " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " الآية.
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون (84) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون (85) وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون (86) وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون (87) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88) يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة وأنه يبعث من كل أمة شهيدا وهو نبيها يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى " ثم لا يؤذن للذين كفروا " أي في الاعتذار لانهم يعلمون بطلانه وكذبه كقوله " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فلهذا قال " ولا هم يستعتبون * وإذا رأى الذين ظلموا " أي الذين أشركوا " العذاب فلا يخفف عنهم " أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة " ولا هم ينظرون " أي لا يؤخر عنهم بل يأخذهم سريعا من الموقف بلا حساب فإنه إذا جئ بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك فيشرق عنق منها على الخلائق وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه فتقول إني وكلت بكل جبار عنيد الذي جعل مع الله إلها آخر وبكذا وبكذا وتذكر أصنافا من الناس كما جاء في الحديث ثم تنطوي عليهم وتلتقطهم من الموقف كما يلتقط الطائر الحب قال الله تعالى " إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " وقال تعالى " ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا " وقال تعالى " لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون * بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون " ثم أخبر تعالى عن تبري آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها فقال " وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم " أي الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا " قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك * فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون " أي قالت لهم الآلهة كذبتم ما نحن أمرناكم بعبادتنا كما قال تعالى " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " وقال تعالى