قوله " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " وتلا أيضا قوله تعالى " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " يعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه وبهذا السياق وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة وقد ذكرناه في موضع آخر ولله الحمد والمنة.
* يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين (67) يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - باسم الرسالة وآمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم القيام قال البخاري عند تفسير هذه الآية حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة - رضي الله عنها - قالت " من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب " وهو يقول " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " الآية هكذا رواه هاهنا مختصرا وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولا وكذا رواه مسلم في كتاب الايمان والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طرق عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع عنها - رضي الله عنها - وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت: لو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية " وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن هارون بن عنترة عن أبيه قال كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال له إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم للناس فقال ابن عباس ألم تعلم أن الله تعالى قال " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " والله ما ورثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء في بيضاء. وهذا إسناد جيد وهكذا في صحيح البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوداني قال: قلت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هل عندكم شئ من الوحي مما ليس في القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر.
وقال البخاري - رضي الله عنه - قال الزهري من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يومئذ: " يا أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها إليهم ويقول " اللهم هل بلغت " قال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير حدثنا فضيل يعني ابن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: " يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا: يوم حرام قال أي بلد هذا قالوا: بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا: شهر حرام قال فإن أموالكم ودماءكم وأعرضاكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " ثم أعادها مرارا ثم رفع أصبعه إلى السماء قال " اللهم هل بلغت " مرارا قال يقول ابن عباس والله لوصية إلى ربه عز وجل ثم قال: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " وقد روى البخاري عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان به نحوه وقوله تعالى " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته أي وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن رجل عن مجاهد قال لما نزلت " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " قال يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون علي فنزلت " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ورواه ابن جرير من طريق سفيان وهو الثوري به وقوله تعالى