تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد ومنهم من يقول بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم ولهذا قال ههنا " إلا امرأته كانت من الغابرين " أي الباقين وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم، وقوله " وأمطرنا عليهم مطرا " مفسر بقوله " وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد " ولهذا قال " فانظر كيف كان عاقبة المجرمين " أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترئ على معاصي الله عز وجل ويكذب رسله. وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ". وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصنا رجم وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة وهو القول الآخر للشافعي وأما إتيان النساء في الادبار فهو اللوطية الصغرى وهو حرام بإجماع العلماء إلا قولا شاذا لبعض السلف. وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة.
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين (85) قال محمد بن إسحاق: هم من سلالة مدين بن إبراهيم وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر قال واسمه بالسريانية يثرون. " قلت " مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة وهي التي بقرب معان من طريق الحجاز قال الله تعالى " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون " وهم أصحاب الأيكة كما سنذكره إن شاء الله وبه الثقة " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " هذه دعوة الرسل كلهم " قد جاءتكم بينة من ربكم " أي قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبخسوا الناس أشياءهم أي لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليسا كما قال تعالى " ويل للمطففين - إلى قوله - لرب العالمين " وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد نسأل الله العافية منه ثم قال تعالى إخبارا عن شعيب الذي يقال له خطيب الأنبياء لفصاحة عبارته وجزالة موعظته.
ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين (86) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين (87) ينهاهم شعيب عليه السلام عن قطع الطريق الحسي والمعنوي بقوله " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون " أي تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم. قال السدي وغيره: كانوا عشارين وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون " أي تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه والأول أظهر لأنه قال " بكل