وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة بن أبي السفر عن الشعبي " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " قال هذا في المسلمين " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون قال هذا في اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله أولئك هم الفاسقون " قال هذا في النصارى وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي وقال عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله " ومن لم يحكم " الآية قال هي به كفر قال ابن طاوس وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق رواه ابن جرير وقال وكيع عن سعيد المكي عن طاوس " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " قال ليس بكفر ينقل عن الملة وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ورواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (45) وهذا أيضا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس وهم يخالفون ذلك عمدا وعنادا ويقيدون النضري من القرظي ولا يقيدون القرظي من النضري بل يعدلون إلى الدية كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والاشهار ولهذا قال هناك " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " لانهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا وقال ههنا " فأولئك هم الظالمون " لانهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الامر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه فخالفوا وظلموا وتعدوا على بعضهم بعضا وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أدم حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأها " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين " نصب النفس ورفع العين وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن المبارك وقال الترمذي: حسن غريب وقال البخاري: تفرد ابن المبارك بهذا الحديث وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررا ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور وكما حكاه الشيخ أبو إسحق الأسفرايني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب هذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة رواه ابن أبي حاتم وقد حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه ثالثها أن شرع إبراهيم حجة دون غيره وصحح منها عدم الحجية ونقلها الشيخ أبو إسحاق الأسفرايني أقوالا عن الشافعي وأكثر الأصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا فالله أعلم. وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ - رحمه الله - في كتابه الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كتب في كتاب عمرو بن حزم " أن الرجل يقتل بالمرأة " وفي الحديث الآخر " المسلمون تتكافأ دماؤهم " وهذا قول جمهور العلماء وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية لان ديتها على النصف من دية الرجل وإليه ذهب أحمد في رواية وحكى عن الحسن وعثمان البستي ورواية عن أحمد أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها بل تجب ديتها وكذا احتج أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر وعلى قتل الحر بالعبد وقد خالفه الجمهور فيهما ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين علي - رضي الله