عطف على ذلك عطف صفات فقال " والذي أنزل إليك " أي يا محمد " من ربك الحق " خبر تقدم مبتدؤه وهو قوله " والذي أنزل إليك من ربك " هذا هو الصحيح المطابق لتفسير مجاهد وقتادة واختار ابن جرير أن تكون الواو زائدة أو عاطفة صفة على صفة كما قدمنا واستشهد بقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم وقوله " ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " كقوله " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " أي مع هذا البيان والجلاء والوضوح لا يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشقاق والعناد والنفاق.
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون (2) يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السماوات بغير عمد بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعدا لا تنال ولا يدرك مداها فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام وسمكها خمسمائة عام. وهكذا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة كما قال تعالى " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن " الآية وفي الحديث " ما السماوات السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة والكرسي في العرش المجيد كتلك الحلقة في تلك الفلاة " وفي رواية " والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل " وجاء عن بعض السلف أن بعد ما بين العرش إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة وهو من ياقوتة حمراء. وقوله " بغير عمد ترونها " روى عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد أنهم قالوا لها عمد ولكن لا ترى وقال إياس بن معاوية السماء على الأرض مثل القبة يعني بلا عمد وكذا روى عن قتادة وهذا هو اللائق بالسياق والظاهر من قوله تعالى " ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه " فعلى هذا يكون قوله " ترونها " تأكيدا لنفي ذلك أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها وهذا هو الأكمل في القدرة وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن شعره وكفر قلبه كما ورد في الحديث ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه وأنت الذي من فضل من ورحمة * بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له فاذهب وهارون فادعوا * إلى الله فرعون الذي كان طاغيا وقولا له هل أنت سويت هذه * بلا وتد حتى استقلت كما هيا وقولا له أنت رفعت هذه * بلا عمد أو فوق ذلك بانيا؟
وقولا له هل أنت سويت وسطها * منيرا إذا ما جنك الليل هاديا وقولا له من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا قولا له من أنبت الحب في الثرى * فيصبح منه العشب يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رؤوسه * ففي ذاك آيات لهن كان واعيا وقوله تعالى " ثم استوى على العرش " تقدم تفسيره في سورة الأعراف وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل تعالى الله علوا كبيرا. وقوله " وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى " قيل المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة كقوله تعالى " والشمس تجري لمستقر لها " وقيل المراد إلى