يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب (4) لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها إما في بدنه أو في دينه أو فيهما واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " قال بعدها: " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " كما في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي بكير حدثني عبد الله بن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله: قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم. وقال مقاتل: الطيبات ما أحل لهم من كل شئ أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال: ليس هو من الطيبات رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن وهب: سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس فقال: ليس هو من الطيبات. وقوله تعالى " وما علمتم من الجوارح مكلبين " أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح وهي من الكلاب والفهود والصقور وأشباهها كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وممن قال ذلك علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " وما علمتم من الجوارح مكلبين " وهن الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد والجوارح يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. رواه ابن أبي حاتم ثم قال: وروى عن خيثمة وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبي كثير نحو ذلك وروى عن الحسن أنه قال: الباز والصقر من الجوارح.
وروى عن علي بن الحسين مثله ثم روى عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله وقرأ قوله " وما علمتم من الجوارح مكلبين " قال: وروى عن سعيد بن جبير نحو ذلك ونقله ابن جرير عن الضحاك والسدي ثم قال: حدثنا هناد حدثنا ابن أبي زائدة أخبرنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال: أما ما صاد من الطير البازات وغيرها من الطير فما أدركت فهو لك وإلا فلا تطعمه قلت: والمحكي عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب فلا فرق وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم واختاره ابن جرير واحتج في ذلك بما رواه عن هناد: حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال: " ما أمسك عليك فكل " واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود " فقلت: ما بال الكلب الأسود من الحمار فقال: الكلب الأسود شيطان. وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال: " ما بالهم وبال الكلاب اقتلوا منها كل أسود بهيم " وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح من الجرح وهو الكسب كما تقول العرب فلان جرح أهله خيرا أي كسبهم خيرا ويقولون فلان لا جارح له أي لا كاسب له وقال الله تعالى " ويعلم ما جرحتم بالنهار " أي ما كسبتم من خير وشر وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة حدثنا زيد بن حباب حدثني يونس بن عبيدة حدثني أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع عن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب فقلت فجاء الناس فقالوا: يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فسكت فأنزل الله " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين " الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه فيأكل ما لم يأكل " وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن الحباب بإسناده عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه فأذن له فقال: قد أذن