من أهلها إن كان قميصه قد من قبل " أي من قدامه " فصدقت " أي في قولها إنه راودها عن نفسها لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره فقدت قميصه فيصح ما قالت " وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين " وذلك يكون كما وقع لما هرب منها وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها فقدت قميصه من ورائه، وقد اختلفوا في هذا الشاهد هل هو صغير أو كبير؟ على قولين لعلماء السلف فقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس " وشهد شاهد من أهلها " قال ذو لحية وقال الثوري عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس: كان من خاصة الملك. وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم: إنه كان رجلا. وقال زيد بن أسلم والسدي: كان ابن عمها وقال ابن عباس كان من خاصة الملك. وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " وشهد شاهد من أهلها " قال كان صبيا في المهد وكذا روي عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم أنه كان صبيا في الدار واختاره ابن جرير وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن محمد حدثنا عفان حدثنا حماد هو ابن سلمة أخبرني عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تكلم أربعة وهم صغار " فذكر فيهم شاهد يوسف ورواه غيره عن حماد بن سلمة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم " وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد:
كان من أمر الله تعالى ولم يكن إنسيا وهذا قول غريب وقوله " فلما رأى قميصه قد من دبر " أي لما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به " قال إنه من كيدكن " أي إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن " إن كيدكن عظيم " ثم قال آمرا ليوسف عليه السلام بكتمان ما وقع " يوسف أعرض عن هذا " أي اضرب عن هذا صفحا أي فلا تذكره لاحد " واستغفري لذنبك " يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلا أو أنه عذرها لأنها رأت مالا صبر لها عنه فقال لها: استغفري لذنبك أي الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ثم قذفه بما هو برئ منه " إنك كنت من الخاطئين ".
* وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين (30) فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم (31) قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين (32) قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين (33) فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم (34) يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة وهي مصر حتى تحدث به الناس " وقال نسوة في المدينة " مثل نساء الكبراء والامراء ينكرن على امرأة العزيز وهو الوزير ويعبن ذلك عليها " امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه " أي تحاول غلامها عن نفسه وتدعوه إلى نفسها " قد شغفها حبا " أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها وهو غلافه قال الضحاك عن ابن عباس: الشغف الحب القاتل والشغف دون ذلك والشغاف حجاب القلب " إنا لنراها في ضلال مبين " أي في صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها إياه عن نفسه " فلما سمعت بمكرهن " قال بعضهم بقولهن ذهب الحب بها وقال محمد بن إسحاق بل بلغهن حسن يوسف فأحببن أن يرينه