لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض قطع الموالاة بينهم وبين الكفار كما قال الحاكم في مستدركه:
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أبو سعيد يحيى بن منصور الهروي حدثنا محمد بن أبان حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتوارث أهل ملتين ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما ثم - قرأ - " والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " ثم قال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قلت الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " وقال الترمذي حسن صحيح وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا محمد عن معمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الاسلام فقال " تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان وإنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت له حرب " وهذا مرسل من هذا الوجه وقد روي متصلا من وجه آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنا برئ من كل مسلم بين ظهراني المشركين " ثم قال " لا يتراءى ناراهما " وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد حدثنا محمد بن داود بن سفيان أخبرني يحيى بن حسان أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود حدثنا جعفر بن سعيد بن سمرة بن جندب عن سمرة بن جندب: أما بعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " وذكر الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث حاتم بن إسماعيل عن عبد الله بن هرمز عن محمد وسعيد ابني عبيد عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " قالوا يا رسول الله وإن كان فيه قال " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " ثلاث مرات وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث حاتم بن إسماعيل به بنحوه ثم روى من حديث عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن أبي وثيمة النضري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " ومعنى قوله " إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " أي إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس الامر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل.
والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم (74) والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم (75) لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا عطف بذكر مالهم في الآخرة فأخبر عنهم بحقيقة الايمان كما تقدم في أول السورة وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الذنوب إن كانت وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف دائم مستمر أبدا لا ينقطع ولا ينقضي ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه. ثم ذكر أن الاتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الايمان والعمل الصالح فهم معهم في الآخرة كما قال " والسابقون الأولون " الآية وقال " والذين جاءوا من بعدهم " الآية. وفي الحديث المتفق عليه بل المتواتر من طرق صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " المرء مع من أحب " وفي الحديث الآخر " من أحب قوما فهو منهم " وفي رواية " حشر معهم ". وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء لبعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة " قال شريك فحدثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله تفرد به أحمد من هذين الوجهين. وأما قوله تعالى " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " أي في حكم الله