معدود (104) يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد (105) يقول تعالى إن في إهلاكنا الكافرين وإنجائنا المؤمنين " لآية " أي عظة واعتبارا على صدق موعودنا في الآخرة " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا وفي الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد " وقال تعالى " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين " الآية وقوله " ذلك يوم مجموع له الناس " أي أولهم وآخرهم كقوله " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " " وذلك يوم مشهود " أي عظيم تحضره الملائكة ويجتمع فيه الرسل وتحشر الخلائق بأسرهم من الإنس والجن والطير والوحوش والدواب ويحكم فيه العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وقوله " وما نؤخره إلا لأجل معدود " أي ما نؤخر إقامة القيامة إلا لأنه قد سبقت كلمة الله في وجود أناس معدودين من ذرية آدم وضرب مدة معينة إذا انقطعت وتكامل وجود أولئك المقدر خروجهم قامت الساعة ولهذا قال " وما نؤخره إلا لأجل معدود " أي لمدة مؤقتة لا يزاد عليها ولا ينتقص منها " يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه " أي يوم يأتي يوم القيامة لا يتكلم أحد إلا بإذن الله كقوله " لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا " وقال " وخشعت الأصوات للرحمن " الآية. وفي الصحيحين من حديث الشفاعة " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم " وقوله " فمنهم شقي وسعيد " أي فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد كما قال " فريق في الجنة وفريق في السعير " وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: ثنا موسى بن حسان ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا سليمان أبو سفيان ثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر قال: لما نزلت " فمنهم شقي وسعيد " سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله علام نعمل؟ على شئ قد فرغ منه أم على شئ لم يفرغ منه؟ فقال " على شئ قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام ولكن كل ميسر لما خلق له " ثم بين تعالى حال الأشقياء وحال السعداء فقال:
فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد (107) يقول تعالى " لهم فيها زفير وشهيق " قال ابن عباس: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر أي تنفسهم زفير وأخذهم النفس شهيق لما هم فيه من العذاب عياذا بالله من ذلك " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " قال الإمام أبو جعفر بن جرير: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشئ بالدوام أبدا قالت هذا دائم دوام السماوات والأرض وكذلك يقولون هو باق ما اختلف الليل والنهار وما سمر أبناء سمير وما لألأت العير بأذنابها. يعنون بذلك كله أبدا فخاطبهم جل ثناؤه وبما يتعارفونه بينهم فقال " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " قلت: ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض كما قال تعالى " يوم تبدل الأرض غير والأرض والسماوات " ولهذا قال الحسن البصري في قوله " ما دامت السماوات والأرض " قال: يقول سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه فما دامت تلك السماء وتلك الأرض. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قوله " ما دامت السماوات والأرض " قال: لكل جنة سماء وأرض وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما دامت الأرض أرضا والسماء سماء. وقوله " إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد " كقوله " النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم " وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابة زاد المسير وغيره من علماء التفسير ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وابن سنان ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة