يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه كقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " وقوله " كدأب آل فرعون " أي كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته أهلكهم بسبب ذنوبهم وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون وزروع وكنوز ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين وما ظلمهم الله في ذلك بل كانوا هم الظالمين.
إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون (56) فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون (57) أخبر تعالى أن شر ما دب على وجه الأرض هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين كلما عاهدوا عهدا نقضوه وكلما أكدوه بالايمان نكثوه " وهم لا يتقون " أي لا يخافون من الله في شئ ارتكبوه من الآثام " فإما تثقفنهم في الحرب " أي تغلبهم وتظفر بهم في حرب " فشرد بهم من خلفهم " أي نكل بهم. قاله ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وابن عيينة ومعناه غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم ويصيروا لهم عبرة " لعلهم يذكرون " وقال السدي يقول لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (58) يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " وإما تخافن من قوم " قد عاهدتهم " خيانة " أي نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود " فانبذ إليهم " أي عهدهم " على سواء " أي أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم وهم حرب لك وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء أي تستوي أنت وهم في ذلك قال الراجز.
فاضرب وجوه الغدر للأعداء * حتى يجيبوك إلى السواء وعن الوليد بن مسلم أنه قال في قوله تعالى " فانبذ إليهم على سواء " أي على مهل " إن الله لا يحب الخائنين " أي حتى ولو في حق الكفار لا يحبها أيضا. قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر قال: كان معاوية يسير في أرض الروم وكان بينه وبينهم أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء " قال فبلغ ذلك معاوية فرجع فإذا بالشيخ عمرو بن عنبسة رضي الله عنه وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من طرق عن شعبة به. وقال الترمذي حسن صحيح. وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا إسرائيل عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه أنه انتهى إلى حصن أو مدينة فقال لأصحابه دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم فقال إنما كنت رجلا منكم فهداني الله عز وجل للاسلام فان أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون وإن أبيتم نابذناكم على سواء " إن الله لا يحب الخائنين " يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون الله.
ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون (59) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به