حكمت عليهم به فإنهم مستحقون ذلك. وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم وهم ينظرون لتقر به أعينهم وما بالعهد من قدم ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل هذا وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يترددون وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه ويقولون مع ذلك نحن أبناء الله وأحباؤه فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود وألزمهم لعنة تصحبهم إلى الدار ذات الوقود ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود وقد فعل وله الحمد في جميع الوجود.
* واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين (31) يقول تعالى مبينا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا عليه وحسدا له فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل ففاز المقتول بوضع الآثار والدخول إلى الجنة وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين فقال تعالى " وأتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " أي أقصص على هؤلاء البغاة الحسدة إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم وهما هابيل وقابيل فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف وقوله " بالحق " أي على الجلية والامر الذي لا لبس فيه ولا كذب ولا وهم ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان كقوله تعالى " إن هذا لهو القصص الحق " وقوله تعالى " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " وقال " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق " وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف أن الله تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال ولكن قالوا كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر وكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل وضيئة فأراد أن يستأثر بها على أخيه فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قربانا فمن تقبل منه فهي له فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه.
[ذكر أقوال المفسرين ههنا] قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا ولد لآدم مولود إلا ومعه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر حتى ولد له ابنان يقال لهما هابيل وقابيل وكان قابيل صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع وكان قابيل أكبرهما وكان له أخت أحسن من أخت هابيل وان