ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون (49) يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (50) يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شئ ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي بكرة وعشيا فإنه ساجد بظله لله تعالى. قال مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شئ لله عز وجل وكذا قال قتادة والضحاك وغيرهم وقوله " وهم داخرون " أي صاغرون وقال مجاهد أيضا سجود كل شئ فيؤه وذكر الجبال قال سجودها فيؤها وقال أبو غالب الشيباني أمواج البحر صلاته ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم فقال " ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة " كما قال " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال " وقوله " والملائكة وهم لا يستكبرون " أي تسجد لله أي غير مستكبرين عن عبادته " يخافون ربهم من فوقهم " أي يسجدون خائفين وجلين من الرب جل جلاله " ويفعلون ما يؤمرون " أي مثابرين على طاعته تعالى وامتثال أوامره وترك زواجره.
* وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون (51) وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون (52) وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون (53) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون (54) ليكفروا بما أتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون (55) يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له فإنه مالك كل شئ وخالقه وربه " وله الدين واصبا " قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران والسدي وقتادة وغير واحد أي دائم وعن ابن عباس أيضا أي واجبا وقال مجاهد أي خالصا أي له العبادة وحده ممن في السماوات والأرض كقوله " أفغير دين الله يبغون * وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون " هذا على قول ابن عباس وعكرمة فيكون من باب الخبر وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب أي ارهبوا أن تشركوا بي شيئا وأخلصوا لي الطاعة كقوله تعالى " ألا لله الدين الخالص " ثم أخبر أنه مالك النفع والضر وأن ما بالعباد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم وإحسانه إليهم " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " أي لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجأون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به كقوله تعالى " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا " وقال ههنا " ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم " قيل اللام ههنا لام العاقبة وقيل لام التعليل بمعنى قيضنا لهم ذلك ليكفروا أي يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم وأنه المسدي إليهم النعم الكاشف عنهم النقم ثم توعدهم قائلا " فتمتعوا " أي اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا " فسوف تعلمون " أي عاقبة ذلك.
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون (56) ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (57) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (59) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء