وقال تعالى في الآية الأخرى " ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم " الآية، وقوله " وطبع على قلوبهم " أي بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله " فهم لا يفقهون " أي لا يفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه.
لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون (88) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم (89) لما ذكر تعالى ذنب المنافقين وبين ثناءه على المؤمنين وما لهم في آخرتهم فقال " لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا " إلى آخر الآيتين من بيان حالهم ومآلهم وقول " وأولئك لهم الخيرات " أي في الدار الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى.
وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم (90) ثم بين تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة. قال الضحاك عن ابن عباس إنه كان يقرأ " وجاء المعذرون " بالتخفيف ويقول هم أهل العذر وكذا روى ابن عيينة عن حميد عن مجاهد سواء قال ابن إسحاق وبلغني أنهم نفر من بني غفار خفاف بن إيماء بن رخصة وهذا القول هو الاظهر في معنى الآية لأنه قال بعد هذا " وقعد الذين كذبوا الله ورسوله " أي لم يأتوا فيعتذروا وقال ابن جريج عن مجاهد " وجاء المعذرون من الاعراب " قال نفر من بني غفار جاؤوا فاعتذروا فلم يعذرهم الله وكذا قال الحسن وقتادة ومحمد بن إسحاق والقول الأول أظهر والله أعلم لما قدمنا من قوله بعده " وقعد الذين كذبوا الله ورسوله " أي وقعد آخرون من الاعراب عن المجئ للاعتذار ثم أوعدهم بالعذاب الأليم فقال " سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ".
ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم (91) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون (92) * إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون (93) ثم بين تعالى الاعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد ومنه العمى والعرج ونحوهما ولهذا بدأ به، ومنها ما هو عارض بسبب مرض عن له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله أو بسبب فقره لا يقدر على التجهيز للحرب فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم وهم محسنون في حالهم هذا ولهذا قال " ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ". وقال سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة رضي الله عنه قال: قال الحواريون يا روح الله أخبرنا عن الناصح لله؟ قال: