ما توعدون لات وما أنتم بمعجزين (134) قل يا قوم أعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (135) يقول تعالى " وربك " يا محمد " الغني " أي عن جميع خلقه من جميع الوجوه وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم " ذو الرحمة " أي وهو مع ذلك رحيم بهم كما قال تعالى " إن الله بالناس لرؤوف رحيم " " إن يشأ يذهبكم " أي إذا خالفتم أمره " ويستخلف من بعدكم ما يشاء " أي قوما آخرين أي يعملون بطاعته " كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين " أي هو قادر على ذلك سهل عليه يسير لديه كما أذهب القرون الأولى وأتى بالذي بعدها كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والاتيان بآخرين كما قال تعالى " إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا " وقال تعالى " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ".
وقال تعالى " والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " وقال محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة قال: سمعت أبان بن عثمان يقول في هذه الآية " كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين " الذرية الأصل والذرية النسل وقوله تعالى " إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين " أي أخبرهم يا محمد أن الذي يوعدون به من أمر المعاد كائن لا محالة " وما أنتم بمعجزين " أي ولا تعجزون الله بل هو قادر على إعادتكم وإن صرتم ترابا رفاتا وعظاما هو قادر لا يعجزه شئ وقال ابن أبي حاتم في تفسيرها: حدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفى حدثنا محمد بن حسين عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال " يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين ".
وقوله تعالى " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون " هذا تهديد شديد ووعيد أكيد أي استمروا على طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي كقوله " وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " على مكانتكم " ناحيتكم " فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون " أي أتكون لي أو لكم وقد أنجز الله موعده لرسوله صلوات الله عليه أي فإنه تعالى مكنه في البلاد وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد وفتح له مكة وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوئه واستقر أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكل ذلك في حياته ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه رضي الله عنهم أجمعين كما قال الله تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز " وقال " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقال تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " وقال تعالى إخبارا عن رسله " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " وقال تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " الآية وقد فعل الله ذلك بهذه الأمة المحمدية وله الحمد والمنة أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا