يحزنك ذلك كما قال تعالى " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا " الآية. وقال تعالى " ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم " وقال تعالى " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين " الآية. وقال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وقوله " شياطين الإنس والجن " بدل من " عدوا " أي لهم أعداء من شياطين الإنس والجن والشيطان كل من خرج عن نظيره بالشر ولا يعادي الرسل إلا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء قبحهم الله ولعنهم. قال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة في قوله " شياطين الإنس والجن " قال من الجن شياطين ومن الانس شياطين يوحي بعضهم إلى بعض قال قتادة وبلغني أن أبا ذر كان يوما يصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن " فقال أو إن من الانس شياطين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " وهذا منقطع بين قتادة وأبي ذر. وقد روي من وجه آخر عن أبي ذر رضي الله عنه قال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة عن ابن عائذ عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس قال: فقال " يا أبا ذر هل صليت " قلت لا يا رسول الله قال " قم فاركع ركعتين " قال ثم جئت فجلست إليه فقال " يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس " قال: قلت لا يا رسول الله وهل للانس من شياطين؟ قال: " نعم هم شر من شياطين الجن ". وهذا أيضا فيه انقطاع وروى متصلا كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا المسعودي أنبأنا أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الحسيحاس عن أبي ذر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ ".
قلت لا قال " قم فصل " قال فقمت فصليت ثم جلست فقال " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن.
قال: قلت يا رسول الله وللانس شياطين؟ قال " نعم " وذكر تمام الحديث بطوله. وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث جعفر بن عون ويعلى بن عبيد وعبيد الله بن موسى ثلاثتهم عن المسعودي به. " طريق أخرى عن أبي ذر " قال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا الحجاج حدثنا حماد عن حميد بن هلال حدثني رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن ؟ " قال: قلت يا رسول الله هل للانس من شياطين؟ قال: " نعم ".
" طريق أخرى للحديث " قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف الحمصي حدثنا أبو المغيرة حدثنا معاذ بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر تعوذت من شياطين الجن والإنس؟ " قال يا رسول الله وهل للانس شياطين؟ قال " نعم " شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " وقوله " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته والله أعلم قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا أبو نعيم عن شريك عن سعيد بن مسروق عن عكرمة " شياطين الإنس والجن " قال ليس من الانس شياطين ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الانس وشياطين الانس يوحون إلى شياطين الجن قال وحدثنا الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا إسرائيل عن السدي عن عكرمة في قوله " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " قال للانس شياطين وللجن شياطين فيلقى شيطان الانس شيطان الجن فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وقال أسباط عن السدي عن عكرمة في قوله " يوحي بعضهم إلى بعض " أما شياطين الانس فالشياطين التي تضل الانس وشياطين الجن التي تضل الجن يلتقيان فيقول كل واحد منهما لصاحبه إني أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا فيعلم بعضهم بعضا ففهم ابن جرير من هذا أن المراد بشياطين الانس عند عكرمة والسدي الشياطين من الجن الذين يضلون الناس لا أن المراد منه شياطين الانس منهم ولا شك أن هذا ظاهر من كلام عكرمة وأما كلام السدي فليس مثله في هذا المعنى وهو محتمل. وقد روى ابن أبي حاتم نحو هذا عن ابن عباس من رواية الضحاك عنه قال إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الانس يضلونهم قال فيلتقي شياطين الانس وشياطين الجن فيقول هذا لهذا أضلله بكذا فهو قوله " يوحي بعضهم إلى بعض