وأن الله تعالى قاول مع الملائكة في هذه القصة، برفع الحجب وبإبراز ما في آدم من الفساد، ثم إعلام ما فيه من علم الأسماء... وهكذا، فعلى هذا كانت النفس الآدمية قبل أن تتعلق بالبدن، وتصير خليفة في الأرض، كانت مورد التعليم الإلهي، ومهبط الأسماء السماوية، فتكون روحانية الحدوث، ويؤيد بها قول الأسبقين والمشهور بين العقلاء والمتفكرين من الإشراقيين المشائين.
أقول: إن المحاجة والمقاولة كانت على نهج الرمز بين الملائكة وربهم الأعلى، وأما الملائكة فهم كانوا يتوجهون إلى فساد آدم حسب تخيلهم، من جهة ما كانوا يشاهدون من أبناء النسناس والشيطان أو من أمور اخر، ومنها مناسبة الأرض والمادة المركبة والسفك والإفساد كما مر، فلا يلزم إلى هنا تقدم خلقة آدم بحسب الروح على البدن، ثم بعد ذلك يمضي مدة مديدة حتى تصلح المادة البدنية لنزول الصورة الآدمية والإنسانية، وتحركها نحو الكمال اللائق بحاله، وتعلمه الأسماء الإلهية، وتعينه بالصفات الرحمانية، وبلغ حين الاحتجاج على الملائكة، والتفاتهم إلى جهالتهم في النقاش بالعرض عليهم، ما حصلت له من الصفات والكمالات التي لا تنبغي للملائكة، إلا من شذ منهم، وكان ذلك الحصول في قوس الصعود، لإمكان أن يشاهد البشر ملائكة الله وهو متعلق بالبدن روحا، كما كان كثير من الصديقين والأنبياء والأولياء، ويتكلمون معهم، وقد ورد في مواضع من الكتاب ما يصرح بذلك، قال الله تعالى: * (إن الذين قالوا