والكذب اللذين من أوصاف الكلام والجملة الحملية المظهرة، فما في كتب القوم كله خال عن معرفة الواقع الفارغ عن الوصول إلى مغزى المرام في المقام.
والذي هو الحق: أن الصدق والكذب كما يوصف بهما الكلام، يوصف بهما الأشياء الخارجية كالحق والباطل، فيقال: فجر صادق، وفجر كاذب، وباعتبار صدور الصدق والكذب يقال: إنسان صادق وكاذب، وتحقيقه في محله.
فالصدق والكذب هي الواقعية في قبال الرياء والسمعة والبطلان والشيطان، وغير ذلك مما له حظ من الواقعية النسبية، وعلى هذا تكون الملائكة كاذبة، لما نسبوا إلى خليفة الله من سوء القول وكذبه، ولأجل ما تخيلوه فيه من الفساد والسفك على الإطلاق، من غير ملاحظة الأهم والمهم والمصالح العالية الجابرة للمفاسد الصادرة عنه أحيانا، حسب اختلاف الأفراد والأزمان والأعصار والأمصار.
ومما يشهد على ما ادعيناه من اتصاف الكلام لأجل كونه باطلا بالكذب ولو كان كلاما إنشائيا، قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون) * (1). وقد تحرر في محله: أن الصدق والكذب من طوارئ القضايا الإخبارية، ولا يعقل اتصاف الإنشائية بما هي إنشائية بها.
وإرجاعها إلى لوازم القضية الإنشائية، خروج عن ظاهر الكلام ومحط البحث، فلا تخلط واغتنم.