والشخصية الكمالية والوجود الكامل، فمسألة تعبية الأقوات في أربعة أيام مما لا يكاد يخفى، والقوى والأقوات بمبادئها متقدمة على الاستواء إلى السماء، كما هو المحكي عن معتقدات اليهود.
وأما دعوى: أن الآيات المكية هي الآيات الواردة لبيان الواقعيات، والآيات المدنية لوحظت فيها جوانب سياسات الملة وترغيب اليهود بالإسلام، وأنهم يتوهمون أن القرآن يصدقهم في مقالتهم ومعتقدهم، فلا دلالة فيها على شئ خلاف ما دل عليه الآيات السابقة، فهذا في حد نفسه جائز إلا أنه بعيد في النظر عن ساحة الكتاب الإلهي. والله العالم.
وأما قول القرطبي تبعا لقتادة: إن دخان السماء كان مقدما على خلق الأرض * (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) * (1) فسواها، ثم دحا الأرض بعد ذلك (2)، فهو أفحش فسادا لصراحة الكتاب في أنه تعالى: * (رفع سمكها فسواها) * ثم قال: * (والأرض بعد ذلك دحاها) *.
وسيمر عليك - إن شاء الله - مسألة خلق السماوات والأرض في البحوث الآتية على وجه أبسط.
ومن الغريب ما في تفسير بعض المعاصرين من إلغاء مفاد كلمة " قبل " و " بعد "، وكان عليه أن يلغي مفاد سائر الجمل، لأنه تعالى منزه عن الحركة والسكون وعن المادة والمدة والتصرم، كما هو منزه عن القبلية والبعدية، غافلا عن أنه تعالى يصرح - في موضع أو أكثر في قصص الأنبياء - بتقدم بعضهم على بعض في الزمان، وإن تأخر في الكلام،