للنفع في حكم إيصاله، فماله حسن أحدهما يجب أن يحسن له الآخر، ألا ترى أنه كما يحسن منا ابتداء الغير بالنفع فكذلك تعريضه له، وكما يحسن منا نفع أنفسنا فكذلك التعريض له بضروب المشاق، وقلنا ذلك لا يحوز (1) لأنه سبحانه لا يجوز أن يكلف لاجتلاب نفع ولا دفع ضرر لاستحالتهما عليه سبحانه، ولا لغير غرض، ولا لإغراء بالقبيح لقبحهما، ولا ليدفع بالتكليف ضررا عن المكلف، لأن دفع الضرر بالضرر لا يحسن إلا بحيث لا يندفع إلا به، وهو سبحانه قادر على دفع كل ضرر من غير إضرار، فلا يحسن تكليف المشاق له، ولا يحسن الاستحقاق (2) لأمور:
منها أن ذلك يقتضي تقدم (3) تكليف قبل تكليف إلى ما لا يتناهى، وذلك محال، ولأن الضرر المستحق مقترن بالاستخفاف، وامتثال مشاق التكليف يقتضي المدح والتعظيم، ولم يبق لحسنه إلا كونه ضررا مبتدءا أو تعريضا لنفع، و الضرر المبتدء ظلم لا يجوز عليه سبحانه، فثبت كونه تعريضا لنفع لا يجوز أن يكون مما يحسن الابتداء به، لأنه سبحانه قادر على ضروب ما يحسن الابتداء به من المنافع، فلا يجوز أن يكلف المشاق لها من حيث كان ذلك عبثا لا يجوز عليه سبحانه، لكونه جاريا مجرى من أراد أن ينفع غيره فلم يفعل حتى كلفه نقل الرمل من جهة إلى أخرى لا لغرض إلا ذلك النفع في كونه عابثا، والنفع الذي لا يحسن الابتداء به هو الواقع على جهة الاعظام والاجلال، لعلمنا بقبح التفضل بالتعظيم وأنه لا يحسن إلا مستحقا.
وعلمه سبحانه بأن كثيرا من المكلفين يعصي فيما كلفه فيستحق العقاب