ومنها أن العلم بذلك الآن لطف في التكليف، إذ لا شبهة في أن العلم الآن بما ذكرناه من حال أهل الموقف داع إلى الحسن وصارف عن القبيح.
ومنها أن... أهل الإيمان وتسويد وجوه الآخرين... التعظيم فتعظمه الملائكة والمؤمنون... به الملائكة والصالحون فكل من هذه... فيما ذكرناه بل جميعها حاصل فيه لمن تأمل ذلك بحسن بصره لارتفاع الشبهة في كون ما يفعله تعالى باهل الموقف ثوابا لأهل طاعته وعقابا لأهل معصيته ولطفا للمكلفين العالمين به الآن ولتمكنهم من ذلك وكونه مميزا لمستحقي التعظيم من مستحقي الاستخفاف.
إن قيل: فعلى أي وجه تنطق الجوارح وليست حية ولا مبنية بنية يصح منها النطق؟
قيل: يصح ذلك على وجوه:
منها: أن يبني الله تعالى كل جارحة بنية يصح منه النطق فينطق بما وقع من الحي لكونها بعضا له.
ومنها: أن يبنيها الله تعالى بنية يصح بها النطق كاللسان، فيكون المتكلم الحي وهي آلة في الكلام كاللسان واللهوات (كذا) ويصح أن يكون المتكلم الشاهد على نفسه هو الحي وعبر عنه ببعضه كقولهم: يد فلان لا تبطش ولسانه لا ينطق ورجله لا تسعى، وهم يريدون بالجميع الحي، وإنما عبروا عنه بالآلة من حيث كانت آلة في الفعل الموصوف به.
ومنها: أن يريد تعالى بشهادة الجوارح وضوح الأمر وقوة الحجة وحصول العلم لهم بما فعلوه كما يقول الفصيح لم يعلم مثل هذا من حاله: شهدت عيناك بكذا وأقرت يداك واعترفت جوارحك، وإنما يريد وضوح الأمر له وتيقنه ما أخبر أن جوارحه شاهدة به.