شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " (1) فنص سبحانه على أن الموازين عبارة عن عدله في توفية كل ذي حق حقه، وقد وصفت العرب المخاطبون التسوية الصحيحة والقسمة العادلة بذلك فقالوا: أفعال فلان موزونة وكلامه بالميزان، وإنما يعنون... أن يكون هناك موازين في الحقيقة ويكون الوزن مختصا بصحف الأعمال... يصح وزنها وتكون العبادة بالرجحان والثقل مختصة... من المعاصي والعبادة يخصها من عدم الطاعات جملة...
كلها تتضمن القطع بثواب من ثقلت موازينه... بعذاب وعقاب من خفت موازينه وبائنة (2) من الثواب وذلك يقتضي تخصيص الوزن بمن تخص الإيمان أو الكفر دون المؤمن العاصي لقيام البرهان على انتفاء القطع له بالثواب أو العقاب، وهذا شايع في عرف المخاطبين بالقرآن يقولون: ميزان فلان راجح عندي أو عند فلان، أي أعماله ثابتة كبيرة، وميزان فلان خفيفة ولا وزن لأفعاله، أي لا طاعة له ولا فعل يقتضي مدحه.
ويحتمل أن يجعل سبحانه لذي الطاعات نورا في كفة الميزان فيرجح، وظلمة للكافر فيخف، ليكون ذلك دلالة على نجاة الطائع وهلاك الكافر.
وكل هذه الوجوه شائع والمعتمد الوجه الأول.
إن قيل ما معنى الصراط وأنتم لا تجيزون التكليف في الآخرة؟
قيل: يحتمل أحد أمرين: أحدهما أن يكون المراد به طريق الجنة والنار فأما أهل الجنة فيتسع لهم مسلكه مقترنا بتعظيم الملائكة وتبشيرهم بالثواب فيكون ذلك قسطا من ثوابهم، وأما أهل النار فيضيق عليهم مسلكه ويصعب عليهم قطعة مقترنا بإهانة الزبانية واستحقاقهم وسحبهم على وجوههم إلى النار فيكون ذلك قسطا من عذابهم.