وهو سبحانه لا يفعل القبيح لما قدمناه من علمه بقبحه وبأنه غني عنه لأن صفة القبح صارف قوي فلا يصح أن يفعله إلا من جهل ثبوتها أو دعته الحاجة إلى الفعل أو الترك لينفي الصارف بالجهل أو يقابل داعي الحاجة لصارف القبح.
وكونه تعالى لا يفعل القبيح مقتضيا أن لا يريده، من حيث لو أراده لم يرده إلا بإرادة يفعلها على ما سلف بيانه، وإرادة القبيح قبيحة، لأن كل من علمها إرادة لقبيح علم قبحها، وذلك مقتض لكونه تعالى فاعلا للقبيح وقد بينا فساده (1) فثبت أنه لا يريد القبيح، وإذا ثبت أنه سبحانه لا يريد القبيح ثبت أنه كاره له، لأنه لا يجوز أن يخلوا ما كلفه تعالى من الإرادة والكراهة.
وكذلك وجب كونه تعالى مريدا لما فعله وكلفه، لاستحالة فعله ما لا غرض فيه، وتكليف ما لا يريده ولا يكرهه، فما علمناه مرادا له سبحانه حكمنا بحسنه فإن علمناه كارها للاخلال به وجب الحكم بوجوبه، وما علمناه مكروها له حكمنا بقبحه ووجوب اجتنابه.
وكونه تعالى مكلفا فعل المثلين والمختلفين والضدين واجتناب ما له هذا الحكم موجب إقدار المكلف على ذلك قبل وقوعه ومزيحا لعلته بالتمكين منه والعلم به واللطف فيه، وكون ذلك شاقا مقتض لكونه وصلة إلى ما لا يحسن الابتداء به من النفع، لأن خلاف ذلك ينقض كونه سبحانه عادلا.
ويحسن توضيح برهان ما أجملناه مفصلا:
أما برهان كون المكلف قادرا فهو أنا نعلم تعلق التأثيرات به ووقوعها من جهته وذلك مقتض لكونها من فعله على ما نبينه، وكونه فاعلا فرع لكونه قادرا لاستحالة النظر ليس بقادر.