منها أنه تعالى خاطب العرب على عادتهم وهو يستعملون المجاز في كلامهم والتعريض واللحن - من قوله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول - (1) كاستعمالهم الحقائق، ولذلك لم يستفهم أحد منهم عن شئ في متشابه القرآن ولا تعلق بمشتبهة (2) فقدح به في حكمة منزله سبحانه، وإنما التبس الحال فيه على من يعرف اللسان الذي نزل به القرآن فصار متشابها في حقه و احتاج العلماء معه إلى بيانه له.
ومنها أن القرآن لو كان جاريا في الأحكام وفهم المراد من ظاهره مجرى واحدا لسقط فرض النظر الواجب الآن في متشابهه ليجمع الناظر بينه وبين محكمه، وذلك وجه حكمي لجعل بعضه متشابها وغرض حسن.
(3) ومنها أنه لو كان كله محكما لم يكن فرق بين الحجة والمحجوج، و العالم والمتعلم، ولهذا قال سبحانه: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " (4) وهو يعني الحجج عليهم السلام الذين أمر سبحانه بالرد إليهم وقطع على حصول العلم بجوابهم في قوله تعالى: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " (5) وهم الذين أمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله: " فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (6) وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر، وأهل الذكر دون غيرهم.