فصل في مسائل العدل (1) معنى قولنا: إنه تعالى عادل هو أنه لا يخل (2) بواجب في حكمته ولا يفعل قبيحا، بالبرهان كونه تعالى عالما لا يجهل شيئا وغنيا لا يحتاج إلى شئ ثبت كونه عادلا من حيث كان وقوع القبيح لا يصح إلا لجهل به أو لسهو عنه أو حاجة إليه، وكل ذلك مستحيل فيه تعالى، فيجب القطع على كونه عادلا والحكم بجميع أفعاله وما يتعلق بها بالحسن.
وهذا القدر كاف في تنزيهه سبحانه عن القبيح على جهة الجملة، وإن فقدنا العلم بوجه الحسن في كل منها على جهة التفصيل، غير أنا نسلك منهج السلف رضي الله عنهم في بيان وجه الحكمة في جميع ما فعله سبحانه وأمر به وأباحه على جهة التفصيل لتكمل الفائدة وتسقط الشبهة في ذلك من كل وجه.
فأول ذلك إثبات العقل طريقا إلى العلم بوجوب واجبات وقبح قبائح وجبت وقبحت لما هي عليه ليكون الكلام في العدل وفساد الجبر مبنيا على ذلك وقد سلف بيان ذلك وأوضحنا أن العلم بوجوب الصدق والانصاف و سائر الواجبات الأولة وقبح الظلم والكذب وسائر القبائح الأولة ضروري من أوائل العقول لا تعلق للعبد به، وأنه إنما وجبت الأفعال لكونها صدقا و إنصافا وقبحت التروك لكونها ظلما وكذبا فأغنى عن إعادتها ههنا.
وإذا ثبت ذلك وجب إثباته سبحانه قادرا على القبيح ليصح تنزيهه عنه، والدالة على ذلك ثبوت كونه تعالى قادرا لنفسه، وذلك يقتضي كونه سبحانه