واليهود ثلاث فرق: فرقة تمنع من نبوة مدعي النسخ لظنها أن النسخ يؤدي إلى البداء، وفرقة تجيز النسخ عقلا ويمنع منه لظنها ثبوت السمع بخطأه، وفرقة يجيز النسخ عقلا وسمعا ويمنع منه لدعواها أنه لم يقم برهان بنبوة أحد ادعى نسخ شرع موسى عليه السلام.
والكلام على الفرقة الأولى أن نبين حقيقة البداء والنسخ بمحصل [يحصل] العلم بفرقان ما بينهما فيسقط شبهة المماثل بينهما، ثم نبين حسن النسخ فيرتفع الريب بفساد قولهم.
والبداء هو النهي عن نفس ما وقع الأمر به أو الأمر بنفس ما حصل النهي عنه، وإنما يكون كذلك بأن يكون ما تعلق به النهي والأمر واحدا والمأمور والمنهي واحدا والوقت واحدا والوجه واحدا كقول المكلف لشخص معين ألق زيدا عند طلوع الشمس مكرما له ولا يأكل (1) العسل يوم كذا طاعة...
(2) عن لقاء زيد مكرما له قبل طلوع الشمس من غده، ويأمره أو يبيحه أكل العسل قبل ذلك اليوم.
وقلنا إنما (3) جمع هذه الشروط بداء لأنه لا وجه له إلا ظهور وجه الصلاح بعد خفائه، وهو جائز من كل محدث وغير قبيح، لكون جميعهم غير عالم بوجه الصلاح في المستقبل، وإنما يثبتون تكاليفهم على الظنون التي يجوز إن تحقق، وغير جائز على القديم سبحانه من وجهين:
أحدهما: أنه يقتضي (4) ما علمنا استحقاقه من كونه عالما لنفسه من حيث