ويصح أن يريد تعالى أكلهم وشربهم لكونه ثوابا مفتقرا إلى إرادة المثيب إيقاع النفع منه على جهة التعظيم، إذ به يتميز من نوعي العوض و التفضل، وليس بتكليف لفقد المشقة فيه، كما لم تكن إرادة أحدنا من غيره أن يلتذ بتناوله الطعام إحسانا إليه تكليفا.
فأما شكر أهل الجنة فما يتعلق منه بالقلب ضروري من فعله تعالى كسائر المعارف على ما نبينه، وما يتعلق منه اللسان فيه لذة فلا يكون تكليفا.
وقلنا بوجوب إكمال عقولهم وكونهم بجملة المعارف (كذا) والمعاقب (كذا) والعوض (كذا) لأنه لا بد أن يعلم كل واحد منهم وصوله إلى مستحقه ليعلم... عليه ويعلم المتفضل عليه كونه محسنا إليه وذلك مفتقر... يقصد فاعل المستحق إلى الإثابة أو لمعاقبة... الاحسان وقد يقتضي معرفة القاصد وصفاته... لا تصح من دون كمال العقل.
وقلنا: إن المعرفة... تكليفهم في الآخرة فلم يبق مع وجوب كونهم...
ضرورية.
وقلنا: إن أهل الجنة والنار مختارون لأفعالهم من أكلهم وشربهم وغير ذلك من تصرفهم لأن ذلك أبلغ في نعيم أهل الجنة.
وقد أجمعت الأمة على وقوع الثواب على أشرف الوجوه وأبلغ المسار.
وأيضا فإنها واقعة على استحقاق ووفاء بوعد، فيجب وقوعها على الوجه المعهود في الدنيا من الايثار.
ولأن ظواهر قوله تعالى: " كلوا واشربوا " وأمثال ذلك تقتضي وقوع أفعالهم عن إيثار.
وأهل النار لاحقون في ذلك باهل الجنة لأنه لا أحد فرق بين الفريقين.