دون الثواب لا يقتضي قبح تكليفه، لأنه محسن بالتكليف إليه من حيث كان تعريضا لنفع عظيم لا يوصل إليه إلا به، وإنما فات المكلف هذا النفع بسوء اختياره وقبح نظره لنفسه. ولأنه سبحانه قد فعل به ما فعله بمن علم أنه يؤمن [من] الأقدار والتمكين والاستصلاح، فماله حسن تكليف الطائع يجب أن يحسن له تكليف العاصي.
وأيضا فإن حقيقة التكليف إرادة المكلف على ما تقدم بيانه، والإرادة إنما تكون قبيحة إذا كان مرادها قبيحا كما أنها إنما تكون حسنة إذا كان مرادها حسنا، لا وجه له بحسن أو قبح إلا ذلك، وإذا كان هذا متقررا ببرهانه، وكانت إرادته سبحانه من المكلف أن يفعل الحسن ويجتنب القبيح ليصل إلى نفع عظيم لا يصل إليه إلا به، ثبت حسنها لتعلقها بما علم حسنه، وكان ذلك إحسانا إلى المكلف في الحقيقة، إذ لا فرق في ثبوت الاحسان بين أن يكون فعلا مقصودا به الأنعام على الغير وبين تعريضه له، بل التعريض أشرف.
وإذا ثبت حسن هذه الإرادة لم يؤثر في حسنها عصيان المكلف في الثاني، لأنها قد وجدت على وجه يحسن، وانتفت عن الوجود وهي على هذه الصفة فصارت معدومة، ووجد عصيان المكلف وهي معدومة والعصيان الموجود لا يقتضي قبح الإرادة المعدومة، لعدم التعلق بينهما، فكيف يتوهم عاقل قبحها به لولا الجهل بهذا العلم.
وليس لأحد أن يقول إن علمه سبحانه بأنه سيعصي مقتض لقبح إرادة الطاعة، لأن كل متعلق من الإرادات والكراهات إنما يحسن أو يقبح لحسن متعلقه أو قبحه دون شئ غير ذلك، من حيث كان الحسن والقبح وجهين لحدوث الحادث دون ما عداهما، وهذا واضح ببرهانه، ووضوحه يقتضي حسن إرادته من المكلف فعل الحسن واجتناب القبيح، ويحيل قبحها لما يعلمه