واستدلوا بحديث عائشة من طريق إبراهيم عن الأسود عنها قالت كان زوج بريرة حرا وقد عرفت ما فيه قوله (كان عبدا أسود) قال القاري أي كعبد أسود في قبح للصورة أو كان عبدا فأعتق فصار حرا انتهى قلت هذان التأويلان باطلان مردودان يردهما لفظ يوم أعتقت بريرة في هذا الحديث فإنه نص صريح في أن زوج بريرة كان عبدا يوم إعتاقها (ويوم أعتقت) بصيغة المجهول (والله لكأني به في طرق المدينة الخ) وفي رواية للبخاري كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته (يترضاها) قال في القاموس استرضاه وترضاه طلب رضاه انتهى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري تنبيه قال صاحب العرف الشذي قول ابن عباس أنه عبد أسود لا يدل على كونه عبدا في الحال بل باعتبار ما كان انتهى قلت هذه غفلة شديدة ووهم قبيح فإن ابن عباس رضي الله عنه قد نص في قوله هذا أن زوج بريرة كان عبدا يوم إعتاقها كما في حديث الباب وقد تقدم بطلان هذا التأويل تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه لي بحث في أن ابن عباس جاء إلى المدينة مع أبيه في السنة التاسعة وأنها عتقت قبلها وكانت تخدم عائشة فإنه عليه السلام سألها عن شأن عائشة في قصة الافك قلت قد وقع في هذه الشبهة من قلة اطلاعه فإنه قد ورد في حديث ابن عباس هذا عند البخاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس يا عبا س ألا تعجب من حب مغيث الخ قال الحافظ في الفتح فيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وكان ذلك في أواخر سنة ثمان ويؤيده قول ابن عباس إنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه ويؤيد تأخر قصتها أيضا بخلاف قول من زعم أنها كانت قبل الإفك أن عائشة في ذلك الزمان كانت صغيرة فيبعد وقوع تلك الأمور والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ وأيضا فقول عائشة إن شاء مواليك أن أعدها
(٢٦٨)