ولاجماع من يعتد بهم من العلماء على أن كتاب البخاري أجل كتب الحديث وأصحها تبارى العلماء في شرحه وتحليله وفى مقدمتهم علماء أجلاء يغترف الناس من معينهم الصافي علما وأدبا وخلقا فتحيا قلوبهم وتستضئ بصائرهم بنور الهدى النبوي ومن بينهم ومن اجلهم الحافظ بن حجر فقد عرفه الناس حال حياته كعبة يحج إليها العلماء فينالون من فيضه وقد اتقن علم الحديث اتقانا لا حد له وقد ذاع صيته حتى ملا الآفاق وارتحل إليه العلماء من جميع الأقطار وقد كثرت مصنفاته حتى تجاوزت المائة والخمسين وكان تاجها المرصع كتاب فتح الباري شرح البخاري الذي ذكر عنه كتاب كشف الظنون: " ومن أعظم شروح البخاري شرح الحافظ بن حجر وسماه فتح الباري ومقدمته اشتملت على عشرة فصول وسماها هدى الساري وشهرته وانفراده بما اشتمل عليه من الفوائد والاحكام الفقهية تغنى عن وصفه سيما وقد امتاز بجمع طرق الحديث ".
وكان ابن حجر في كتابه هذا قد عاصر البخاري وعاشره واستقى من علمه وكأنه جلس أمامه والقى السمع لمقاله فسمع الحديث ووعاه علومه وأسانيده والصحيح منه وتخاريجه والحكمة من ايراده معلقا أو مقطوعا أو مرفوعا أو مكررا.
وخلاصة القول أن ابن حجر قد قضى عمره و أفنى حياته في تعهد كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاشتغال بهما مع ما اتصف به من الصفات الكريمة التي لم تجتمع لواحد من أهل زمانه. وأودع خلاصة ما وصل إليه في كتابه هذا الذي حوى أجمل شرح لا جمع كتاب للسنة المطهرة حصن المسلمين وسندهم ومفزعهم وملجأهم فهذا صديق الأمة أبو بكر رضي الله عنه يقول أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا لم أعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا عمر الفاروق رضي الله عنه كان يحذر الحذر كله ان يجانب في أي أمر سنة نبيه ويشدد في تنفيذها ولا تأخذه الشفقة في تطبيقها. وهكذا كان الأصحاب والتابعون يتلمسون الهدى المحمدي ويترسمون مسلكه ويقتفون اثره كل ذلك حياء وتقديرا لرسولهم ووفاء وولاء لأمانة نبيهم وابتغاء لرضا ربهم واستجابة له وطاعة. " من يطع الرسول فقد أطاع الله ". " قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ".
بذا قامت للمسلمين دولتهم وحفظت مكانتهم ونفذت كلمتهم ودامت سلطتهم وكانوا إذا أصابهم أمر أو حزبهم خطب هرعوا إلى السنة مستهدين ومسترشدين لادراك الصواب أو مترسمين ما ثبت عن الأصحاب رجاء النصرة وابتغاء الفوز.
فما أحوجنا - وقد أحاطت بنا تلك الخطوب والكروب إلى أن نقتفي آثار نبينا، ونسيره على نهج طريقه والعمل بآدابه وتنفيذ احكامه ولن تصلح هذه الأمة الا بما به أولها.
أنظر مقالة عمر رضي الله عنه لجنده لا أخاف عليكم عدوكم وعدده وحصونه وخططه وانما أخاف عليكم الذنوب وعدم تمسككم بأهداب السنة فهي العاصم من الفتن وهى النور الهادي والمنار