وينبه على أن هناك احتمالا أو تعارضا يوجب التوقف حيث يعتقد أن فيه اجمالا أو يكون المدرك مختلفا في الاستدلال به وكثيرا ما يترجم بأمر ظاهره قليل الجدوي لكنه إذا حققه المتأمل أجدى كقوله باب قول الرجل ما صلينا فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك ومنه قوله باب قول الرجل فاتتنا الصلاة وأشار بذلك إلى الرد على من كره اطلاق هذا اللفظ وكثيرا ما يترجم بأمر مختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادئ الرأي كقوله باب استياك الإمام بحضرة رعيته فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من أفعال المهنة فلعل بعض الناس يتوهم أن اخفاءه أولى مراعاة للمروءة فلما وقع في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر نبه على ذلك ابن دقيق العيد وكثيرا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفى من ذلك قوله باب الامراء من قريش وهذا لفظ حديث يروي عن علي رضي الله عنه وليس على شرط البخاري وأورد فيه حديث لا يزال وال من قريش ومنها قوله باب اثنان فما فوقهما جماعة وهذا حديث يروي عن أبي موسى الأشعري وليس على شرط البخاري وأورد فيه فأذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما وربما اكتفى أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معها أثر أو آية فكأنه يقول لم يصح في الباب شئ على شرطي وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر انه ترك الكتاب بلا تبييض ومن تأمل ظفر ومن جد وجد وقد جمع العلامة ناصر الدين أحمد بن المنير خطيب الإسكندرية من ذلك أربعمائة ترجمة وتكلم عليها ولخصها القاضي بدر الدين بن جماعة وزاد عليها أشياء وتكلم على ذلك أيضا بعض المغاربة وهو محمد بن منصور بن حمامة السجلماسي ولم يكثر من ذلك بل جملة ما في كتابه نحو مائة ترجمة وسماه فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة وتكلم أيضا على ذلك زين الدين علي بن المنير أخو العلامة ناصر الدين في شرحه على البخاري وأمعن في ذلك ووقفت على مجلد من كتاب اسمه ترجمان التراجم لأبي عبد الله ابن رشيد السبتي يشتمل على هذا المقصد وصل فيه إلى كتاب الصيام ولو تم لكان في غاية الإفادة وانه لكثير الفائدة مع نقصه والله تعالى الموفق * (الفصل الثالث في بيان تقطيعه للحديث واختصاره وفائدة اعادته له في الأبواب وتكراره) * قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي فيما رويناه عنه في جزء سماه جواب المنعنت اعلم أن البخاري رحمه الله كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ويستدل به في كل باب باسناد آخر ويستخرج منه بحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه وقلما يورد حديثا في موضعين باسناد واحد ولفظ واحد وإنما يورده من طريق أخرى لمعان نذكرها والله أعلم بمراده منها فمنها أنه يخرج الحديث عن صحابي ثم يورده عن صحابي آخر والمقصود منه ان يخرج الحديث عن حد الغرابة وكذلك يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة وهلم جرا إلى مشايخه فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة انه تكرار وليس كذلك لاشتماله على فائدة زائدة ومنها انه صحيح أحاديث على هذه القاعدة يشتمل كل حديث منها على معان متغايرة فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأولى ومنها أحاديث يرويها بعض الرواة تامة ويرويها بعضهم مختصرة
(١٢)