ماسة إلى معرفة السنة النبوية لتفصيل مجمل ما جاء بالقرآن الكريم وتوضيح مبهمه. فالصلاة والزكاة والحج مثلا كلمات مجملة في حاجة إلى بيان وتفصيل وقد بينها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم بلسانه القويم بجوامع كلامه الحكيم في سنته الشريفة وهى أقواله وافعاله وتقريراته فكان صلى الله عليه وسلم بحق نموذجا قرآنيا وتطبيقا له عمليا وبيانا لما انطوى عليه وبسطا وتعبيرا لما أشار به ولذا كانت حاجتنا إلى السنة ماسة لتفصيل الكتاب وبيان احكامه والا فمن أين المحكم والمتشابه من الآيات. فهي اذن ملازمة له ملازمة المعاني للألفاظ. وإذا كان صلى الله عليه وسلم ابان ما فهمه من كتابه بسلوكه وكلامه فكذلك خلفاؤه وصحابته أوضحوا لنا ما وعوه من الرسول وما فهموه منه في القول والعمل ورد الفروع إلى الأصول. ولذا حثنا صلى الله عليه وسلم على اتباع هديهم. " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ " - " أوتيت القرآن ومثله معه ".
ثم جاء من بعدهم التابعون فأفتوا بما علموه من أقوال الأصحاب وما الهموه في قلوبهم من ادراك وجه الصواب وجمعوا لنا السنة وحفظوها ونشروها وحرصوا عليها أشد من حرصهم على حياتهم تفاقلوها وتوارثوها، ثم صارت العناية بالسنة كتابة وتدوينا في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قد نهى عن تدوينها أولا حتى لا تختلط نصوص القرآن بنصوص السنة ولكن لما تمكن المسلمون من القرآن واستطاعوا بما حباهم الله من نور النبوة أن يفرقوا بينها أباح لهم تدوين السنة حيث قال لابن عمرو اكتب، فانى لا أقول الا حقا حين منعه قومه من تدوين السنة ورفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ان ما دون من الحديث في عهد النبوة وفى عصر الصحابة لم يكن مدونا في جوامع ولا مرتبا على أبواب وانما كانت صحائف يجمع فيها الصحابي ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقبل نهاية القرن الأول حين فتح المسلمون كثيرا من البلدان وانتشر الاسلام في كل مكان أصبحت الحاجة ماسة إلى نشر السنة في تلك الأقاليم المفتوحة بعد تدوينها وجمعها ولا سيما بعد موت الكثير من الحفاظ وانشغال كثير من المسلمين بأمور الدنيا وعدم تفرغهم لحفظ السنة فكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى الآفاق يحثهم على جمع السنة وتدوينها خوفا من ضياعها. فاستجاب له الكثير من العلماء. ولما جاء البخاري رضي الله عنه وتحركت همته لتأليف كتابه الجامع الصحيح وقد أولاده عناية تامة فانتقاه من ستمائة الف حديث ولشدة تحريه امتد به الزمن في جمعه إلى ست عشرة سنة. لذا يكاد يجمع جمهور العلماء. على القول بأفضلية كتاب البخاري على غيره من كتب الحديث حتى قيل فيه انه أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز.