فيوردها كما جاءت ليزيل الشبهة عن ناقليها ومنها ان الرواة ربما اختلفت عباراتهم فحدث راو بحديث فيه كلمة تحتمل معنى وحدث به آخر فعبر عن تلك الكلمة بعينها بعبارة أخرى تحتمل معنى آخر فيورده بطرقه إذا صحت على شرطه ويفرد لكل لفظة بابا مفردا ومنها أحاديث تعارض فيها الوصل والارسال ورجح عنده الوصل فاعتمده وأورد الإرسال منبها على أنه لا تأثير له عنده في الوصل ومنها أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك ومنها أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلا في الاسناد ونقصه بعضهم فيوردها على الوجهين حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدثه به عن آخر ثم لقي الآخر فحدثه به فكان يرويه على الوجهين ومنها أنه ربما أورد حديثا عنعنه راويه فيورده من طريق أخرى مصرحا فيها بالسماع على ما عرف من طريقته في اشتراط ثبوت اللقاء في المعنعن فهذا جميعه فيما يتعلق بإعادة المتن الواحد في موضع آخر أو أكثر وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيرا أو مرتبطا بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعدا فإنه يعيده بحسب ذلك مراعيا مع ذلك عدم اخلائه من فائدة حديثية وهى إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك كما تقدم تفصيله فتستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحدة فيتصرف حينئذ فيه فيورده في موضع موصولا وفى موضع معلقا ويورده تارة تاما وتارة مقتصرا على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب فإن كان المتن مشتملا على جمل متعددة لا تعلق لاحداها بالأخرى فإنه يخرج كل جملة منها في باب مستقل فرارا من التطويل وربما نشط فساقه بتمامه فهذا كله في التقطيع وقد حكى بعض شراح البخاري انه وقع في أثناء الحج في بعض النسخ بعد باب قصر الخطبة بعرفة باب تعجيل الوقوف قال أبو عبد الله يزاد في هذا الباب حديث مالك عن ابن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادا انتهى وهو يقتضي انه لا يتعمد أن يخرج في كتابه حديثا معادا بجميع اسناده ومتنه وإن كان قد وقع له من ذلك شئ فعن غير قصد وهو قليل جدا سأنبه على مواضعه من الشرح حيث أصل إليها إن شاء الله تعالى وأما اقتصاره على بعض المتن ثم لا يذكر الباقي في موضع آخر فإنه لا يقع له ذلك في الغالب الا حيث يكون المحذوف موقوفا على الصحابي وفيه شئ قد يحكم برفعه فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ويحذف الباقي لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه كما وقع له في حديث هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال إن أهل الإسلام لا يسيبون وان أهل الجاهلية كانوا يسيبون هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف أوله جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال أني أعتقت عبدا لي سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله ان أهل الإسلام لا يسيبون وان أهل الجاهلية كانوا يسيبون فأنت ولى نعمته فلك ميراثه فإن تأثمت وتحرجت في شئ فنحن نقبله منك ونجعله في بيت المال فاقتصر البخاري على ما يعطى حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف وهو قوله إن أهل الإسلام لا يسبون لأنه يستدعى بعمومه النقل عن صاحب الشرع لذلك الحكم واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس وإذا تقرر ذلك اتضح انه لا يعيد الا لفائدة حتى لو لم تظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن (1) لكان
(١٣)