ولنشرع الآن في تحقيق شرطه فيه وتقرير كونه أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر فيما قرأت على الثقة أبي الفرج بن حماد ان يونس بن إبراهيم بن عبد القوي أخبره عن أبي الحسن بن المقير عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الاثبات ويكون اسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وان لم يكن الا راو واحد وصح الطريق إليه كفى (قال) وما ادعاه الحاكم أبو عبد الله أن شرط البخاري ومسلم أن يكون للصحابي راويان فصاعدا ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان إلى آخر كلامه فمنتقض عليه بأنهما أخرجا أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم الا راو واحد انتهى والشرط الذي ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم فإنه معتبر في حق من بعدهم فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له الا راو واحد قط وقال الحافظ أبو بكر الحازمي رحمه الله هذا الذي قاله الحاكم قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة دعواه ثم قال ما حاصله ان شرط الصحيح أن يكون اسناده متصلا وأن يكون راوية مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد قال ومذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه العدول فبعضهم حديثه صحيح ثابت وبعضهم حديثه مدخول قال وهذا باب فيه غموض وطريق ايضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم فلنوضح ذلك بمثال وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزية على التي تليها فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة وهو مقصد البخاري والطبقة الثانية شاركت الأولى في التثبت الا أن الأولى جمعت بين الحفظ والاتقان وبين طول الملازمة للزهري حتى كان فيهم من يزامله في السفر ويلازمه في الحضر والطبقة الثانية لم تلازم الزهري الا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه فكانوا في الاتقان دون الأولى وهم شرط مسلم ثم مثل الطبقة الأولى بيونس بن يزيد وعقيل بن خالد الأيليين ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وشعيب ابن أبي حمزة والثانية بالأوزاعي والليث بن سعد وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وابن أبي ذئب قال والطبقة الثالثة نحو جعفر بن برقان وسفيان بن حسين وإسحاق بن يحيى الكلبي والرابعة نحو زمعة بن صالح ومعاوية بن يحيى الصدفي والمثنى بن الصباح والخامسة نحو عبد القدوس ابن حبيب والحكم بن عبد الله الأيلي ومحمد بن سعيد المصلوب فأما الطبقة الأولى فهم شرط البخاري وقد يخرج من حديث أهل الطبقة الثانية ما يعتمده من غير استيعاب وأما مسلم فيخرج أحاديث الطبقتين على سبيل الاستيعاب ويخرج أحاديث أهل الطبقة الثالثة على النحو الذي يصنعه البخاري في الثانية وأما الرابعة والخامسة فلا يعرجان عليهما (قلت) وأكثر ما يخرج البخاري حديث الطبقة الثانية تعليقا وربما أخرج اليسير من حديث الطبقة الثالثة تعليقا أيضا وهذا المثال الذي ذكرناه هو في حق المكثرين فيقاس على هذا أصحاب نافع وأصحاب الأعمش وأصحاب قتادة وغيرهم فأما غير المكثرين فإنما اعتمد الشيخان في تخريج أحاديثهم على الثقة والعدالة وقلة الخطا لكن منهم من قوي الاعتماد عليه فاخرجا ما تفرد به كيحيى بن سعيد
(٧)