تقرير الحافظ أبي بكر الحازمي فهذه الأوجه الأربعة تتعلق باتقان الرواة * وبقى ما يتعلق بالاتصال وهو الوجه الخامس وذلك أن مسلما كان مذهبه على ما صرح به في مقدمة صحيحه وبالغ في الرد على من خالفه ان الاسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن ومن عنعن عنه وان لم يثبت اجتماعهما الا إن كان المعنعن مدلسا والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة وقد أظهر البخاري هدا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه وأكثر منه حتى أنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة (1) الا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئا معنعنا وستري ذلك واضحا في أماكنه إن شاء الله تعالى وهذا مما ترجح به كتابه لأنا وان سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى ان شرط البخاري أوضح في الاتصال والله أعلم وأما ما يتعلق بعدم العلة وهو الوجه السادس فان الأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة أحاديث كما سيأتي ذكر ذلك مفصلا في فصل مفرد اختص البخاري منها بأقل من ثمانين وباقي ذلك يختص بمسلم ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر والله أعلم * وأما قول أبي على النيسابوري فلم نقف قط على تصريحه بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري بخلاف ما يقتضيه اطلاق الشيخ محيي الدين في مختصره في علوم الحديث وفي مقدمة شرح البخاري أيضا حيث يقول اتفق الجمهور على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد وقال أبو علي النيسابوري وبعض علماء المغرب صحيح مسلم أصح انتهى ومقتضى كلام أبي على نفى الأصحية عن غير كتاب مسلم عليه أما اثباتها له فلا لأن اطلاقه يحتمل أن يريد ذلك ويحتمل أن يريد المساواة والله أعلم والذي يظهر لي من كلام أبي على أنه انما قدم صحيح مسلم لمعنى غير ما يرجع إلى ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة بل ذلك لأن مسلما صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق ولا يتصدى لما تصدى له البخاري من استنباط الاحكام ليبوب عليها ولزم من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه بل جمع مسلم الطرق كلها في مكان واحد واقتصر على الأحاديث دون الموقوفات فلم يعرج عليها الا في بعض المواضع على سبيل الندور تبعا لا مقصودا فلهذا قال أبو علي ما قال مع أني رأيت بعض أئمتنا يجوز أن يكون أبو علي ما رأى صحيح البخاري وعندي في ذلك بعد والأقرب ما ذكرته وأبو علي لو صرح بما نسب إليه لكان محجوبا بما قدمناه مجملا ومفصلا والله الموفق وأما بعض شيوخ المغاربة فلا يحفظ عن أحد منهم تقييد الأفضلية بالأصحية بل أطلق بعضهم الأفضلية وذلك فيما حكاه القاضي أبو الفضل عياض في الالماع عن أبي مروان الطبني بضم الطاء المهملة ثم امكان الباء الموحدة بعدها نون قال كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري انتهى وقد وجدت تفسير هذا التفضيل عن بعض المغاربة فقرأت في فهرسة أبي محمد القاسم بن القاسم التجيبي قال كان أبو محمد بن حزم يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري لأنه ليس فيه بعد خطبته الا الحديث السرد اه وعندي أن ابن حزم هذا هو شيخ أبي مروان الطبني الذي أبهمه القاضي عياض ويجوز أن يكون غيره ومحل تفضيلهما واحد ومن ذلك قول مسلم بن قاسم القرطبي وهو من أقران الدارقطني لما ذكر في تاريخه صحيح مسلم قال لم يضع أحد مثله فهذا محمول على حسن الوضع وجودة الترتيب وقد رأيت كثيرا من المغاربة ممن صنف في الاحكام
(١٠)