فتركن النفس إليه وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة وقال ابن بطال عن المهلب هذا يدل على أن العقل أصل الخصال المحمودة لأنه لم يصف زيدا بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه ورفع التهمة عنه كذا قال وفيه نظر وسيأتي مزيد البحث فيه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ووقع في رواية سفيان بن عيينة فقال أبو بكر أما إذا عزمت على هذا فأرسل إلى زيد بن ثابت فادعه فإنه كان شابا حدثا نقيا يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فادعه حتى يجمعه معنا قال زيد بن ثابت فارسلا إلى فأتيتهما فقالا لي انا نريد أن نجمع القرآن في شئ فاجمعه معنا وفى رواية عمارة بن غزية فقال لي أبو بكر ان هذا دعاني إلى أمر وأنت كاتب الوحي فان تك معه اتبعتكما وان توافقني لا أفعل فاقتضى قول عمر فنفرت من ذلك فقال عمر كلمه وما عليكما لو فعلتما قال فنظرنا فقلنا لا شئ والله ما علينا قال ابن بطال انما نفر أبو بكر أولا ثم زيد بن ثابت ثانيا لأنهما لم يجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول فلما نبههما عمر على فائدة ذلك وانه خشية أن يتغير الحال في المستقبل إذا لم يجمع القرآن فيصير إلى حالة الخفاء بعد الشهرة رجعا إليه قال ودل ذلك على أن فعل الرسول إذا تجرد عن القرائن وكذا تركه لا يدل على وجوب ولا تحريم انتهى وليس ذلك من الزيادة على احتياط الرسول بل هو مستمد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن الباقلاني كان الذي فعله أبو بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عنى شيئا غير القرآن مع قوله تعالى ان علينا جمعه وقرآنه وقوله إن هذا لفى الصحف الأولى وقوله رسول من الله يتلو صحفا مطهرة قال فكل أمر يرجع لإحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية وكان ذلك من النصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قال وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه لا دلالة فيه على المنع ورجع إليه أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك وانه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه وما يترتب من ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك (قوله فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرني به كأنه جمع أولا باعتبار أبى بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار انه الآمر وحده بذلك ووقع في رواية شعيب عن الزهري لو كلفى بالافراد أيضا وانما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصير في احصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر (قوله فتتبعت القرآن أجمعه) أي من الأشياء التي عندي وعند غيري (قوله من العسب) بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي ينبت عليه الخوص هو السعف ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن شهاب القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل ووقع في رواية شعيب من الرقاع جمع رقعة وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغد وفى رواية عمارة بن غزية وقطع الأديم وفى رواية ابن أبي داود من طريق أبى داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد والصحف (قوله واللخاف) بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة ووقع في رواية أبى داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد واللخف بضمتين وفى آخره فاء قال أبو داود الطيالسي في روايته هي الحجارة الرقاق وقال الخطابي صفائح الحجارة
(١١)