كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيا من ذلك الا بتوقيف نعم ترتيب السور بعضها اثر بعض كان يقع بعضه منهم بالاجتهاد كما سيأتي في باب تأليف القرآن (قوله لم أجدها مع أحد غيره) أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفى بالحفظ دون الكتابة ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم وانما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف عندما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي هذا مما يخفى معناه ويوهم انه كان يكتفى في اثبات الآية بخبر الشخص الواحد وليس كذلك فقد اجتمع في هذه الآية زيد بن ثابت وأبو خزيمة وعمر وحكى ابن التين عن الداودي قال لم يتفرد بها أبو خزيمة بل شاركه زيد بن ثابت فعلى هذا تثبت برجلين اه وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر فلو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد والحق ان المراد بالنفي نفى وجودها مكتوبة لا نفى كونها محفوظة وقد وقع عند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال انى رأيتكم تركتم آيتين فلم تكتبوهما قالوا وما هما قال تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة فقال عثمان وأنا أشهد فكيف ترى أن نجعلهما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ومن طريق أبى العالية انهم لما جمعوا القرآن في خلافة أبى بكر كان الذي يملى عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا من براءة إلى قوله لا يفقهون ظنوا أن هذا آخر ما نزل منها فقال أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيتين بعدهن لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة (قوله فكانت الصحف) أي التي جمعها زيد بن ثابت (قوله عند أبي بكر حتى توفاه الله) في موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سال زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل وعند موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب قال لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يهلك من القراء طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبى بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف وهذا كله أصح مما وقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال فأمرني أبو بكر فكتبت في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده وانما كان في الأديم والعسب أولا قبل أن يجمع في عهد أبى بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبى بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة (قوله ثم عند حفصة بنت عمر) أي بعد عمر في خلافة عثمان إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف وانما كان ذلك عند حفصة لأنها كانت وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها حتى طلبه منها من له طلب ذلك (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وإبراهيم هو ابن سعد وهذا الاسناد إلى ابن شهاب هو الذي قبله بعينه أعاده إشارة إلى أنهما حديثان لابن شهاب في قصتين مختلفين وان اتفقتا في كتابة القرآن وجمعه وعن ابن شهاب قصة ثالثة كما بيناه عن خارجة بن زيد عن أبيه في قصة الآية التي من الأحزاب وقد ذكرها في آخر
(١٣)