الأخبار ترجح أن المراد تحسين الصوت ويؤيده قوله يجهر به فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقها وقد جزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانا يتغنى بكذا أي يجهر به وقال أبو عاصم أخذ بيدي ابن جريج فأوقفني على أشعب فقال غن ابن أخي ما بلغ من طمعك فذكر قصة فقوله غن أي أخبرني جهرا صريحا ومنه قول ذي الرمة - أحب المكان الفقر من أجل انني * به أتغنى باسمها غير معجمي - أي أجهر ولا أكنى والحاصل انه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن متغنيا به عن غيره من الأخبار طالبا به غنى النفس راجيا به غنى اليد وقد نظمت ذلك في بيتين - تغن بالقرآن حسن به * الصوت حزينا جاهرا رنم - - واستغن عن كتب الألى طالبا * غنى يد والنفس ثم الزم - وسيأتى ما يتعلق بحسن الصوت بالقرآن في ترجمة مفردة ولا شك ان النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لان للتطريب تأثيرا في رقة القلب واجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره لا نزاع في ذلك فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم وحكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهية واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية وقال الفوراني من الشافعية في الإباحة يجوز بل يستحب ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل بشئ من الحروف عن مخرجه فلو تغير قال النووي في التبيان أجمعوا على تحريمه ولفظه أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة التمطيط فان خرج حتى زاد حرفا أو أخفاه حرم قال وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضع على كراهته وقال في موضع آخر لا بأس به فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز والا حرم وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالألحان إذا انتهت إلى اخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعاية وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية ان لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب والا فلا وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي انه لا يضر التمطيط مطلقا وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة وهذا شذوذ لا يعرج عليه والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت مطلوب فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث وقد أخرج ذلك عنه أبو داود باسناد صحيح ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم فان الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك وان خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات فان خرج عنها لم يف تحسين الصوت
(٦٤)