سفيان ويمكن ان يستأنس بما أخرجه أبو داود وابن الضريس وصححه أبو عوانة عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك قال لقيني سعد بن أبي وقاص وأنا في السوق فقال تجار كسبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقد ارتضى أبو عبيد تفسير يتغنى بيستغنى وقال إنه جائز في كلام العرب وأنشد الأعشى - وكنت امرأ زمنا بالعراق * خفيف المناخ طويل التغني - أي كثير الاستغناء وقال المغيرة بن حيناء - كلانا غنى عن أخيه حياته * ونحن إذا متنا أشد تغانيا - قال فعلى هذا يكون المعنى من لم يستغن بالقرآن عن الاكثار من الدنيا فليس منا أي على طريقتنا واحتج أبو عبيد أيضا بقول ابن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غنى ونحو ذلك وقال ابن الجوزي اختلفوا في معنى قوله يتغنى على أربعة أقوال أحدا تحسين الصوت والثاني الاستغناء والثالث التحزن قاله الشافعي والرابع التشاغل به تقول العرب تغنى بالمكان أقام به (قلت) وفيه قول آخر حكاه ابن الأنباري في الزاهر قال المراد به التلذذ والتسحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فأطلق عليه تغنيا من حيث إنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء وهو كقول النابغة - بكاء حمامة تدعو هديلا * مفجعة هلى فنن تغنى - أطلق على صوتها غناء لأنه يطرب كما يطرب الغناء وان لم يكن غناء حقيقة وهو كقولهم العمائم تيجان العرب لكونها تقوم مقام التيجان وفيه قول آخر حسن وهو أن يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجيراه الغناء قال ابن الاعرابى كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى وإذا جلست في أفنيتها وفى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم القراءة مكان التغني ويؤيد القول الرابع بين الأعشى المتقدم فإنه أراد بوله طويل التغني طول الإقامة لا الاستغناء لأنه أليق بوصف الطول من الاستغناء يعنى انه كان ملازما لوطنه بين أهله كانوا يتمدحون بذلك كما قال حسان - أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل - أراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتجاع ولا يبرحون من أوطانهم فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وهو يؤل من حيث المعنى إلى ما اختاره البخاري من تخصيص الاستغناء وانه يستغنى به عن غيره من الكتب وقيل المراد من لم يغنه القرآن وينفعه في ايمانه ويصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وليس المراد ما اختاره أبو عبيد انه يحصل به الغنى دون الفقر لكن الذي اختاره أبو عبيد غير مدفوع إذا أريد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر لان ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة الا إن كان ذلك بالخاصية وسياق الحديث يأبى الحمل على ذلك فان فيه إشارة إلى الحث على تكلف ذلك وفى توجيهه تكلف كأنه قال ليس منا من لم يتطلب الغنى بملازمة تلاوته وأما الذي نقله عن الشافعي فلم أره صريحا عنه في تفسير الخبر وانما قال في مختصر المزنى وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا انتهى قال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمططها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين وقد روى ابن أبي داود باسناد حسن عن أبي
(٦٢)