أنس) هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل بن موسى به ثم أخرجه المصنف من طريق عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة ثانيهما ذكر أبى الدرداء بدل أبي بن كعب فاما الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة أوجه وقد استنكره جماعة من الأئمة المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الامر كذلك لان التقدير انه لا يعلم أن سواهم جمعه والا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم الا إن كان لقى كل واد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فانا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الامر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل ولو على التوزيع كفى واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد قال وانما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم وأما الوجه الثاني من المخالفة فقال الإسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيح مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بان ذكر أبى الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب وقال الداودي لا أرى ذكر أبى الدرداء محفوظا (قلت) وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين فطريق قتادة على شرطه وقد وافقه عليها ثمامة في أحدى الروايتين عنه وطريق ثابت أيضا على شرطه وقد وافقه عليها أيضا ثمامة في الرواية الأخرى لكن مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته وقد وقع عن عبد الله بن المثنى وفيه مقال وإن كان عند البخاري مقبولا لكن لا تعادل روايته رواية قتادة ويرجح رواية قتادة حديث عمر في ذكر أبي بن كعب وهو خاتمة أحاديث الباب ولعل البخاري أشار باخراجه إلى ذلك لتصريح عمر بترجيحه في القراءة على غيره ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين فذكر مرة أبي بن كعب ومرة بدله أبا الدرداء وقد روى ابن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبى بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري واسناده حسن مع ارساله وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبى الدرداء وان خالفه في العدد والمعدود ومن طريق الشعبي قال جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة منهم أبو الدرداء ومعاذ وأبو زيد وزيد بن ثابت وهؤلاء الأربعة هم الذين ذكروا في رواية عبد الله بن المثنى واسناده صحيح مع ارساله فلله در البخاري ما أكثرا اطلاعه وقد تبين بهذه الرواية المرسلة قوة رواية عبد الله بن المثنى وأن لروايته أصلا والله أعلم وقال الكرماني لعل السامع كان يعتقد أن هؤلاء الأربعة لم يجمعوا وكان أبو الدرداء ممن جمع فقال أنس ذلك ردا عليه وأتى بصيغة الحصر ادعاء ومبالغة ولا يلزم منه النفي عن غيرهم
(٤٨)