بلفظ الطلاق تعمد ذلك احترازا عما يسبق به اللسان والاختيار ليخرج المكره لكن ان أكره فقالها مع القصد إلى الطلاق وقع في الأصح (قوله وقول الله تعالى وسرحوهن سراحا جميلا) كأنه يشير إلى أن في هذه الآية لفظ التسريح بمعنى الارسال لا بمعنى الطلاق لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ثم يسرح وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعا (قوله وقال وأسرحكن) يعنى قوله تعالى يا أيها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا والتسريح في هذه الآية محتمل للتطليق والارسال وإذا كانت صالحة للامرين انتفى أن تكون صريحة في الطلاق وذلك راجع إلى الاختلاف فيما خير به النبي صلى الله عليه وسلم نساءه هل كان في الطلاق والإقامة فإذا اختارت نفسها طلقت وان اختارت الإقامة لم تطلق كما تقدم تقريره في الباب قبله أو كان في التخيير بين الدنيا والآخرة فمن اختارت الدنيا طلقها ثم متعها ثم سرحها ومن اختارت الآخرة أقرها في عصمته (قوله وقال تعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) تقدم في الباب قبله بيان الاختلاف في المراد بالتسريح هنا وأن الراجح أن المراد به التطليق (قوله وقال أو فارقوهن بمعروف) يريد أن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها في البقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لأنه ورد في الموضعين بعد وقوع الطلاق فليس المراد به الطلاق بل الارسال وقد اختلف السلف قديما وحديثا في هذه المسئلة فجاء عن علي بأسانيد يعضد بعضها بعضا وأخرجها ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما قال البرية والخلية والبائن والحرام وألبت ثلاث ثلاث وبه قال مالك وابن أبي ليلى والأوزاعي لكن قال في الخلية انها واحدة رجعية ونقله عن الزهري وعن زيد بن ثابت في البرية والبتة والحرام ثلاث ثلاث وعن ابن عمر في الخلية والبرية ثلاث وبه قال قتادة ومثله عن الزهري في البرية فقط واحتج بعض المالكية بأن قول الرجل لامرأته أنت بائن وبتة وبتلة وخلية وبرية يتضمن ايقاع الطلاق لان معناه أنت طالق منى طلاقا تبينين به منى أو تبت أي يقطع عصمتك منى والبتلة بمعناه أو تخلين به من زوجيتي أو تبرين منها قال وهذا لا يكون في المدخول بها الا ثلاثا إذا لم يكن هناك خلع وتعقب بأن الحمل على ذلك ليس صريحا والعصمة الثابتة لا ترفع بالاحتمال وبأن من يقول إن من قال لزوجته أنت طالق طلقة بائنة إذا لم يكن هناك خلع انها تقع رجعية مع التصريح كيف لا يقول يلغو مع التقدير وبأن كل لفظة من المذكورات إذا قصد بها الطلاق ووقع وانقضت العدة أنه يتم المعنى المذكور فلم ينحصر الامر فيما ذكروا وانما النظر عند الاطلاق فالذي يترجح أن الألفاظ المذكورات وما في معناها كنايات لا يقع الطلاق بها الا مع القصد إليه وضابط ذلك ان كل كلام أفهم الفرقة ولو مع دقته يقع به الطلاق مع القصد فأما إذا لم يفهم الفرقة من اللفظ فلا يقع الطلاق ولو قصد إليه كما لو قال كلي أو اشربي أو نحو ذلك وهذا تحرير مذهب الشافعي في ذلك وقاله قبله الشعبي وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم وبهذا قال الأوزاعي وأصحاب الرأي واحتج لهم الطحاوي بحديث أبي هريرة الآتي قريبا تجاوز الله عن أمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم فإنه يدل على أن النية وحدها لا تؤثر إذا تجردت عن الكلام أو الفعل وقال مالك إذا خاطبها بأي لفظ كان وقصد الطلاق طلقت حتى لو قال يا فلانة يريد به الطلاق فهو طلاق وبه قال الحسن بن صالح
(٣٢٤)