يحرموا على أنفسهم شيا مما أحل لهم فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم اه وأظن البخاري أشار إلى ما تقدم عن أصبغ وغيره ممن سوى بين الزوجة وبين الطعام والشراب كما تقدم نقله عنهم فبين أن الشيئين وان استويا من جهة فقد يفترقان من جهة أخرى فالزوجة إذا حرمها الرجل على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت والطعام والشراب إذا حرمه على نفسه لم يحرم ولهذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على الزوج لقوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وورد عن ابن عباس ما يؤيد ذلك فأخرج يزيد بن هارون في كتاب النكاح ومن طريقه البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك أن أعرابيا أتى ابن عباس فقال انى جعلت امرأتي حراما قال ليست عليك بحرام قال أرأيت قول الله تعالى كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه الآية فقال ابن عباس ان إسرائيل كان به عرق النساء فجعل على نفسه ان شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شئ وليست بحرام يعنى على هذه الأمة وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا فقال الشافعي ان حرم زوجته أو أمته ولم يقصد الطلاق ولا الظهار ولا العتق فعليه كفارة يمين وان حرم طعاما أو شرابا فلفو وقال أحمد عليه في الجميع كفارة يمين وتقدم بيان بقية الاختلاف في الباب الذي قبله قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة بسند رجاله ثقات من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة قال فان في هذا الخبر تقوية لقول من قال إن لفظ الحرام لا يكون باطلاقه طلاقا ولا ظهارا ولا يمينا (قوله وقال الليث عن نافع قال كان ابن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثا قال لو طلقت مرة أو مرتين فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا فان طلقتها ثلاثا حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك) كذا للأكثر وفى رواية الكشميهني فان طلقها وحرمت عليه بضمير الغائب في الموضعين وهذا الحديث مختصر من قصة تطليق ابن عمر امرأته وقد سبق شرحه في أول الطلاق وظن ابن التين أن هذا جملة الخبر فاستشكل على مذهب مالك قوله إن الجمع بين تطليقتين بدعة قال والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالبدعة وجوابه أن الإشارة في قول ابن عمر فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك إلى ما أمره من ارتجاع امرأته في آخر الحديث ولم يرد ابن عمر أنه أمره أن يطلق امرأته مرة أو مرتين وانما هو كلام ابن عمر ففصل لسائله حال المطلق وقد روينا الحديث المذكور من طريق الليث التي علقها البخاري مطولا موصولا عاليا في جزء أبى الجهم العلاء بن موسى الباهلي رواية أبى القاسم البغوي عنه عن الليث وفى أوله قصة ابن عمر في طلاق امرأته وبعده قال نافع وكان ابن عمر الخ وأخرج مسلم الحديث من طريق الليث لكن ليس بتمامه وقال الكرماني قوله لو طلقت جزاؤه محذوف تقديره لكان خيرا أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وليس كما قال بل الجواب لكان لك الرجعة لقوله فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا والتقدير فإن كان في طهر لم يجامعها فيه كان طلاق سنة وان وقع في الحيض كان طلاق بدعة ومطلق البدعة ينبغي أن يبادر إلى الرجعة ولهذا قال فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا أي بالمراجعة لما طلقت الحائض وقسيم ذلك قوله وان طلقت ثلاثا وكأن ابن عمر ألحق الجمع بين المرتين بالواحدة
(٣٢٦)