التهاويل، فلما كان ما يلحق المجنون من الافزاع، ويأخذه من العرواء (1) والانزعاج، عن وساوس الشيطان جاز أن ينسب ذلك إلى همزه وغمزه على طريق المجاز والاتساع في نظائره. " والاستعارة الثانية " الاستعارة من نفث الشيطان، وهي الشعر على ما فسره النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك مخصوص في شعر المشركين الذي كانوا يهجون به رسول الله صلى الله عليه وآله وخيار المسلمين، أو ما يجرى مجراه من أشعار المسلمين الاسلاميين، لأنه عليه الصلاة والسلام قد قال: " إن من الشعر حكما "، فلا يجوز أن يكون هذا القول متناولا لجميع الشعر عموما، وموضع الاستعارة أن الشيطان لما كان يزين للمشركين الطعن في أعراض المسلمين، وكان الشعر مما تلفظ به ألسنتهم، شبهه عليه الصلاة والسلام بالشئ الذي تنفث (2) به أفواههم، ونسبه إلى الشيطان لان تزيينه ما زين لهم كان سببا لما نفثت به ألسنتهم، وقد يجوز أن يكون إنما نسبه إلى نفثه لان الشيطان كان نفثه في أفواههم، وتكلم به على ألسنتهم، كما يقولون للمتكلم بالكلمة الغاوية: ما نطق على لسانك إلا شيطان. قال الفرزدق في قصيدته التي يهجو فيها إبليس، وهي مشهورة:
(٢٧٥)