المجازات النبوية - الشريف الرضي - الصفحة ٤٤
بالروح هاهنا القرآن تشبيها له بالروح القائمة بالحيوان المصححة لانتفاع الأبدان، وهذا من التشبيه الواقع والتمثيل النافع، لان انتفاع الناس بالقرآن في رشاد السبيل ومصالح الدنيا والدين كانتفاع الأبدان بالأرواح في تصريف حركاتها وترتيب إرادتها، وتصحيح لذاتها وشهواتها.
وقد ذكرنا ذلك مشروحا في مواضع من كتابنا في علوم القرآن.
25 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " قد أناخت بكم الشرف الجون ". يعنى الفتن المتوقعة. وهذا القول مجاز لأنه عليه الصلاة والسلام شبه الفتن بالنوق المسنات، لجلالة خطبها واستفحال أمرها و جعلها جونا، وهي السود ها هنا (1)، لظلام منهجها والتباس مخرجها. والشرف جمع شارف: وهي الناقة المسنة، وهم يشبهون الحرب بها، قال الكميت الأسدي يصف حربا:
مبسورة شارفا مصرمة (2) * محلوبها الصاب (3) حين تحتلبه يقال بسرت الناقة وابتسرت إذا حمل عليها الفحل. ولم تضبع (4)

(1) أشار بقوله هاهنا إلى أن الجون تطلق على البيض والسود، ولكن المراد بها هنا السود.
(2) المصرمة: المقطعة وهي التي قطعت أثداؤها حتى لا ترضع فتضعف بالرضاع.
(3) الصاب: شجر مر، أي عصارة هذا الشجر المر إذا حلب.
(4) ضبعت الناقة تضبع: من باب فرح إذا اشتهت الفحل، فمعنى قول الشريف إذا حمل عليها الفحل ولم تضبع: وهي غير طالبة له وحينئذ لا يكون للقاح فائدة لأنها لا تحمل حينئذ، والمراد أن هذه الحرب كالناقة التي يأتيها فحلها وهي غير راغبة في إتيانه فتكون نافرة هائجة، وهذه الحرب نافرة هائجة، تصيب الناس بشرها من غير رحمة ولا تبصر.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست