كما جعل الشاعر الأول هذه الحال بمنزلة بمنزلة السلاح لها وأراد بقوله:
إذا رأين لدى الفناء قريبة، أي رأين رفقة قريبة بفناء النبي عليه الصلاة والسلام بكين وتناوحن، علما بأنهن ينحرن لها، ويعقرن لأجلها. وكذلك إذا هبت الشمال في صميم الشتاء، حاذرن العقر، وانتظرن النحر.
ومما يقوى ذلك ما جاء في الحديث المشهور عنه عليه الصلاة والسلام، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " إن الجفاء والقسوة في الفداذين إلا من أعطى في نجدتها ورسلها ". والفدادون هاهنا على أصح الأقوال هم أصحاب الإبل الكثيرة، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: إلا من أعطى من إبله في حال كثرة شحومها وشارة جسومها، وسمى ذلك نجدة لها على ما قدمنا القول فيه، لأنها إذا كانت في تلك الحال كانت كالمانعة لصاحبها من نحرها، نفاسة بها، وشحا عليها، فكانت شارتها كالمنجدة لها، والسلاح الذي تدفع به عن أنفسها. وقد قيل في رسلها هاهنا قولان:
(أحدهما) في حال كثرة ألبانها، موافقة لقوله عليه الصلاة والسلام: في نجدتها، إذا كان ذلك بمعنى حسن شارتها.
(والقول الآخر) أن يعطيها في حال يهون عليه إعطاؤها فيها، وهي حال نقصان شحومها، وخفة جسومها، من قولهم: تكلم فلان