المجازات النبوية - الشريف الرضي - الصفحة ٣٧٨
وهذه من محاسن الاستعارات. والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام:
وينظر في سواد أن حدقته سوداء أو مطارح نظره منها فكأنما وينظر في سواد، وهذا المعنى أراد كثير بقوله:
ومن نجلاء (1) تدمع في بياض * إذا دمعت وتنظر في سواد فالمراد بقوله تدمع في بياض أن دمعها يقطر على خدها وهو أبيض، فيصير الدمع واقعا في بياض، والمراد بقوله وتنظر في سواد المعنى الذي قدمنا ذكره من وصف الحدقة بشدة الاسوداد، وإذا كان النظر منها فكأن النظر في سواد (2).
293 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر له امرأة استحيضت (3): " ليست هذه بالحيضة ولكنها ركضة

(1) النجلاء: واسعة العينين.
(2) ما في الحديث من البلاغة:
في الحديث استعارتان تبعيتان. الأولى: يطأ في سواد، والثانية: ينظر في سواد، حيث شبه وضع الكبش رجله ذات الظلف الأسود على الأرض عند المشي بالوطئ في سواد، بجامع الشكل في كل، واشتق من الوطئ في سواد يطأ بمعنى يضع قدمه سوداء الظلف على طريق الاستعارة التبعية، وحيث شبه نظر الكبش ذي الحدقة السوداء بالنظر في السواد، بجامع الشكل في كل، واشتق من النظر في السواد بمعنى نظر الكبش ذي الحدقة السوداء ينظر في سواد بمعنى بنظر حال كونه حدقته سوداء، على طريق الاستعارة التبعية.
(3) استحيضت: معناها أنها حصلت لها الاستحاضة، وهي من ينزل عليها الدم، لامن الحيض، بل بسبب مرض يسمى الاستحاضة، ينزل منه الدم على المرأة باستمرار في غير أوقات الحيض، ويقول الفقهاء: إنه يسيل من عرق في الرحم يسمى العاذل، ومعنى ذكر له امرأة استحيضت سأله الناس عن هذه المرأة على أنها نزل عليها الحيض على غير عادة النساء وهو نزوله في غير أوقاته، فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذا الدم ليس حيضا وإنما هو استحاضة، وهو ما عبر عنه بقوله " ولكنها ركضة من الرحم ". وكانت هذه الكلمة في الطبعتين السابقتين " استحيضته " ولكني أرجعتها إلى صحتها.
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»
الفهرست