الطعام، فلما كثر لفظ السلام من أفواههم، وبذل الطعام من أيديهم، جاز على طريق المبالغة أن يقول: أفواههم، سلام، وأيديهم طعام، كما يقول القائل: ما فلان إلا أكل ونوم، وما فلان إلا صلاة وصوم، إذا كثر الاكل والنوم من الأول، والصلاة والصوم من الآخر، وعلى هذا قول الخنساء في صفة الظبية الفاقدة ولدها:
ترتاع ما نسيت حتى إذا ذكرت * فإنما هي إقبال وإدبار تريد صفتها بكثرة الاقبال والادبار والتململ والاضطراب. ومن هذا الباب أيضا قولهم: فلان عدل، فوصفوه بالمصدر الذي فعله عدل يعدل عدلا لكثرة وقوعه منه، وتظاهره به، ونظائر ذلك كثيرة.
319 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام، ويعنى الموت:
" أكثروا ذكر هادم اللذات "، وهذه استعارة، والمراد أن اللذات بالموت تتلاشى وتبطل وتمحق، وتضمحل كما يضمحل البناء بهدمه، ويبطل بتعفية رسمه، والهدم في الأصل هو الابطال للشئ، فإذا قالوا: هدم فلان البناء، فإنما يريدون إنه أزاله وأبطله.
ومن ذلك الحديث المروى عنه عليه الصلاة والسلام للأنصار ليلة العقبة بعد مراجعة كلام طويل: الدم الدم والهدم الهدم ".
وأصح ما قيل في تفسير ذلك أنه عليه الصلاة والسلام أراد إنكم