145 - ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في وصف الفرس الذي جاء سابقا: " إنه لبحر "، وهذا مجاز، وربما طعن بعض الجهال بمناديح كلام العرب في هذا القول بأن يقول: كيف شبه عليه الصلاة والسلام سرعة جرى الفرس بالبحر والبحر راكد لا يجرى، وقائم لا يسرى؟ فجوابه أن يقال: إنما شبه عليه الصلاة والسلام اتساعه في الجرى باتساع ماء البحر، ألا تراهم يقولون إنه لواسع الحضر (1) ووساع الخطو (2) يريدون هذا المعنى. والبحر في كلام العرب الشئ الواسع، ومن هناك سموا البلدة المتسعة الأقطار بحرا، وقد يجوز أن يكون المراد بتشبيهه بالبحر أن جريه غزير لا ينفد، كما أن ماء البحر كثير لا ينضب. ويقال للفرس الكثير الجرى: بحر وفيض وسكب. وعلى هذا قول الشاعر:
* وفى البحور تغرق البحور * قيل أراد الخيل السابقة التي تسبقها خيل أسبق منها، فقد بان أن التشبيه واقع موقعه، وأن الطاعن فيه لم يفهم غرضه (3).